قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة) رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه ابن حبان، وله عن طلق بن علي رضي الله عنه: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) ، وزاد الطبراني في حديث وابصة: (ألا دخلت معهم أو اجتررت رجلاً) ] .
هذا الحديث يعتبر في نظري من المشكلات، فيروي لنا وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة.
وفي بعض الروايات رآه يصلي فانتظره حتى فرغ من صلاته فقال: (استقبل صلاتك؛ فلا صلاة لمنفرد خلف الصف) .
فهذه نصوص صريحة أنه لا صلاة لإنسان ينفرد وحده خلف الصف، وتحت هذا تفريعات عديدة، فنأخذ أولاً الأصل في المسألة، ونأتيها من أعلى كما يقال.
يرى الإمام أحمد رحمه الله أن الحديث على ظاهره، فمن صلى صلاة أوقع فيها ركعة كاملة خلف الصف فصلاته باطلة، ومعنى (ركعة كاملة) أنه لو جاء منفرداً وكبر والإمام يقرأ، وظل مع الإمام حتى سجد الإمام، وقام للركعة الثانية، يكون أكمل ركعة منفرداً، ثم جاء من يقف معه، فعند أحمد الركعة باطلة، أما إذا وقف منفرداً وقبل أن يركع الإمام جاء آخر وصف معه، فقد خرج عن كونه منفرداً.
وغير أحمد -رحم الله الجميع- يقول: إن النهي هنا إنما هو للكراهة، وتصح الصلاة منفرداً خلف الصف.
وكيف تفعلون في هذا النهي؟ قالوا: هذا للكراهة، والأولى أن يكون مع غيره، ثم جاؤوا بأمور عقلية واستنتاجية.
أما الأمور العقلية فـ النووي يقول في المجموع: إن صحة الصلاة ثابتة عقلاً، قال: إذا جاء اثنان وموقفهما خلف الإمام، فكبر أحدهما والآخر لا زال يعدل في موقفه، فقد سبق أحدهما الآخر في تكبيرة الإحرام، ففي تلك اللحظة عقد تكبيرة الإحرام -وهي جزء من الصلاة- منفرداً والذي معه لم يكبر بعد، فيعتبر منفرداً، ولا يقول أحد بأن صلاة أحدهما باطلة.
ويقولون أيضاً: قصة ابن عباس لما صلى عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم أداره من خلفه.
فعند مروره خلف النبي صلى الله عليه وسلم كان وحده، في جزء من الصلاة، وما بطلت لكونه خلف الإمام وحده.
وهل هذا يرد على أحمد أم لا يرد عليه؟ الجواب: لا يرد عليه؛ لأن أحمد اشترط أن يقع الانفراد في ركعة كاملة، وهذه ليست بركعة.
وابن عباس لما أداره رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل كان قبل الخطوة التي أداره عندها خلف الصف وحده؟ ولهذا أقول: إنه من الإشكالات، فالنص صريح، ولكن الأئمة الثلاثة يقولون: الصلاة صحيحة، ونحن نقول: النص صريح مع أحمد، والكثرة واضحة مع الجمهور.
ويأتي بعد ذلك علاج الموقف، فإذا جاء والصفوف مكتملة، وما عنده أحد يصلي معه، فإنه يأخذ من الصف رجلاً معه، ويترتب على هذا تكليف آخر.
فإذا جاء وحده والناس جلوس في التشهد فالحنابلة يقولون: لو جاء والناس في التشهد وليس من السهل أن يرجع إنسان وهو في جلسة التشهد فإنه يجلس في طرف الصف، أو في وسطه ملصقاً ركبتيه إلى ظهر الذي يليه.