خلاف العلماء في قوله: (ولا تعُد)

وقوله: (تَعُد) : نبهنا سابقاً أنها يمكن أن تكون (تَعُد) من العودة لمثل ذلك، ويمكن أن تكون (تُعِد) ، والفرق الفتحة والضمة، و (تُعِد) من الإعادة.

فيكون المعنى: زادك الله حرصاً ولا تُعِد الصلاة أوزادك الله حرصاً ولا تعد لمثل تلك الصورة.

ويمكن أن يكون المعنى: زادك الله حرصاً ولا تَعْدُ، من العَدْو والجري.

والكلمة في التصريح صالحة لهذا كله؛ لأن: (عاد، يعود) من العود، فهو أجوف معتل العين بالواو، (عَوَد) ، والمعتل الأجوف إذا دخل عليه الجازم سقطت عينه، كقال.

يقول.

لم تقل، وباع.

يبيع.

لم يبع، فسقطت العين، ولسكون الحرف الأخير، فتكون: (زادك الله حرصاً ولا تَعُد) .

(ولا تُعِد) من أعاد يعيد، فهو أيضاً أجوف معتل بالياء، فتسقط عين الكلمة بالجزم، ويكون صالحاً لمعنى الإعادة.

وأما (لا تَعْدُ) من (عَدَوَ) وحرف العلة هنا اللام؛ لأن فاء الكلمة هي العين، والدال هي عين الكلمة، والواو هي لام الكلمة، فهو معتل الآخر بالواو ناقص واوي كما يقولون، والقاعدة أن الناقص الواوي إذا دخل عليه جازم كانت علامة جزمه حذف حرف العلة، مثال ذلك: (لم يسع) ، (لم يدع) ، فتحذف (الألف) من (سعى) ، و (الواو) من (يدعو) .

وهنا كذلك: يعدو، فلام الكلمة حرف علة، والقاعدة النحوية أن الفعل المعتل الآخر يجزم وعلامة جزمه حرف العلة.

فالكلمة من حيث هي في رسمها تُرسم بالياء، أو بالتاء، فما الذي سقط منها، هو الواو أو الياء الذان هما عين الكلمة من العود والإعادة، أم أن الذي سقط هو الواو لام الكلمة؟ كل ذلك محتمل.

ونرجع إلى هذه الاحتمالات، فلو أخذناها على قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تَعُد) أي: لمثل ذلك قالوا: نهاه أن يعود لمثل هذا الفعل، فوقف عند هذا النهي قوم، وقالوا: نهاه أن يعود لمثل ذلك؛ لأنه بنى على إدراك الركعة، وقد فاتته الفاتحة، وهذا باطل.

والآخرون قالوا: نهاه أن يعود لأن صورة الإنسان حين يدب وهو راكع تشبه صورة الحيوان وهو يمشي، وهذه صورة لا ينبغي للإنسان أن يفعلها.

وآخرون قالوا: (ولا تَعْدُ) أي: من العدو؛ لأن هذا يتنافى مع الخشوع في الصلاة.

والذين قالوا: (ولا تُعِد) معناه أن صلاتك اكتملت ولا تحتاج إلى إعادة قالوا للآخرين: إن كان قوله: (ولا تَعْدُ) (ولا تَعُدْ) كما قلتم لصورة مشي الحيوان أو لغيرها، فهل الصلاة صحيحة أم لا؟ إن قلتم: صحيحة فهذا الذي نريد، وإن قلتم: غير صحيحة.

فهل أعادها أبو بكرة؟ والجواب: لم يعدها، وبعض الاحتمالات (ولا تُعِد) أي: لا تعد الصلاة لأنها كاملة.

ومن هنا أخذوا أن المسبوق إذا جاء وأدرك الإمام راكعاً فقد أدرك الركعة، وسقطت عنه قراءة الفاتحة.

ففي المساجد يأتي الإنسان مسبوقاً ويريد أن يتقدم إلى الصفوف الأُول، فإذا ركع الإمام هل يركع ويدب إلى الصف، أم أنه يمشي إلى أن يصل إلى الصف ويقوم فيه؟ الأولى أن يمشي سوياً إلى أن يصل إلى الصف ويركع، لا أن يركع دون الصف ويكون في صف منقطع عن الصفوف، ولا أن يركض من أجل أن يلحق ويدرك الإمام قبل أن يرفع، إلا في حالة واحدة يمكن أن يسرع فيها، وهي إذا خاف أن يسلم الإمام وتفوته الجماعة كلها، ففي هذا العاطفة تتحرك قليلاً، والبعض يقول: ولو فاتت الجماعة؛ لأن له أجر الجماعة ولو وجد الناس قد صلوا، وفيه ورد حديث صحيح.

لكن إذا كان الأمر أوسع من ذلك فلا ينبغي الركض في المسجد، ولا الركوع قبل الصف وبينهما فرجة بعيدة، ولكن بقدر المستطاع يمشي سوياً إلى أن يأتي إلى الصف ويصلي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015