قال المصنف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) رواه مسلم] .
لاحظ الترتيب البديع، فبعدما بين حكم الصف في المساواة والتراص انتقل إلى الصفوف وأحكامها، والمفاضلة بينها وبين بعضها، فذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال) ، أي حينما تكون صفوف الرجال متعددة.
فالحديث الأول إذا كان صفاً واحداً، وأيضاً في كل صف من الصفوف عليهم أن يتراصوا وأن يساووا الأعناق فيما بينهم.
والصفوف تكون قسمين: صفوف للرجال، وصفوف للنساء، فخير صفوف الرجال أوائلها، والأول يبدأ من أول المسجد من عند الإمام، فالأول هو الذي يلي الإمام، وشر صفوف الرجال أواخرها، والعكس مع النساء، ويلاحظ هنا أن لفظة (خير) هي أفعل تفضيل، ومعناها: اجتمع الخير في الجميع وزاد الأول بزيادة في الخيرية.
فكل الصفوف فيها خير.
فالخيرية ثابتة للجميع، ويأتي في مقابل هذا: (شر صفوف الرجال آخرها) فالأول أثبت الخير للجميع، وهنا أثبت الشر للجميع، ولا يمكن أن يثبت الخير والشر لشيء واحد في وقت واحد، فهذا يسمونه التناقض؛ لأن الخير نقيض الشر، فكيف تجمع وصفين متناقضين؟ قالوا: هذا من باب التفضيل، ومن باب الترغيب، وليس الشر هنا على حقيقته، والحكم حقيقته في الوصف الأول، لأن الصفوف كلها فيها خير، إلا أن الأول أفضل.