أقول: مَن مِن المسلمين يرضى لنفسه أن يسمع المنادي يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح) ولا يجيب بدون عذر؟ فهل تطمئن نفسه بأن يبقى خالداً إلى الأرض وهذا المنادي ينادي في السماء؟ أعتقد أن المسلم لا يرضى بهذا.
ثم أي تجارة أربح فلو أن عندك ألف ريال تكسب منه عشرين ريالاً، فأنت رابح، فإذا كان الألف يكسبك ألفاً آخر -أي: الضعف- فأكبر تاجر لا يحصِّل هذا إلا في النادر، فإذا كان هذا الألف تكسب بعده خمسة وعشرين ألفاً فهذا لا يكون في أكبر تجارة في العالم.
فالله سبحانه وتعالى يتفضل على عبده بأن يضاعف له الأجر خمسة وعشرين ضعفاً بخطوات إلى المسجد مع ما فيها من الفضل والخير والنفع العام والخاص، وربما تلقى إنساناً ما لقيته منذ سنة، وربما تسمع آية من كتاب الله.
فأحياناً الإنسان يسمع من الإمام الآية الواحدة كأنه ما سمعها ولا علم بها قط.
وأذكر أنه قبل خمس عشرة سنة كان هناك عامل في المسجد النبوي، فقرأ الإمام في صلاة المغرب سورة الضحى، فقال: يا شيخ! قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:9-10] خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أم للناس كلهم؟ ولو أتينا نسأل نصف الناس عن ما قرأ الإمام في المغرب فربما لا يجيبون.
وهذا أبو هريرة قد آذاه الناس بقولهم: أكثر أبو هريرة، فأراد أن يبين لهم أنه قد خص بالحفظ، وأنهم ليسوا مثله، فبعد صلاة الصبح وقف على الباب، وكلما مر رجل قال له: ماذا قرأ الإمام في الركعة الأولى؟ فيقول: لا أدري.
فقال: تقولون أكثر أبو هريرة، وأنتم حدثاء عهد بقراءة جهرية على رءوس الأشهاد في صلاة الصبح، وأكثركم ما يدري ماذا قرأ! تعيبون علي أني حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! فالإنسان قد يسمع آية من كتاب الله فيشرح الله صدره، فيتبين منها أمراً، ويسلم على أخيه المسلم، ويشترك في دعاء الإمام والمأمومين، ففيها خير كثير، ولا ينبغي لإنسان أن يعول على كل هذه التفصيلات ويقول: الجماعة سنة.
وقد أخبرنا ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم سن سنن الهدى، وهن من سنن الهدى، فمن أجاب المؤذن أخذ بسنن الهدى، ومن لم يجبه ترك سنن الهدى، ومن ترك سنن الهدى فقد ضل.
وأرجو الله أن يوفقنا وإياكم جميعاً لما يحبه ويرضاه.