قال المصنف رحمه الله: [وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم (النجم) فلم يسجد فيها) متفق عليه] .
هذا الأثر الثاني: (قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم (النجم) فلم يسجد فيها) ، في الحديث المتقدم أنه سجد، وفي هذا الحديث يقول: لم يسجد، ومن هنا قال مالك بعدم السجود فيها، وبعض المالكية يقول: إنما سجد في مكة ولما هاجر إلى المدينة لم يسجد فيها، لأن راوي هذا الحديث زيد، هو مدني، والأول مهاجر من مكة.
إذاً: الأخير ينسخ الأول، ولكن علماء الحديث يقولون: السجود ليس واجباً حتى يقال: المتأخر ينسخ المتقدم، وما دام أن الحكم هو الجواز فليس بلازم أن يسجد كلما قرأ، فيكون قرأ وسجد تارة، وقرأ وترك السجود تارة أخرى، والمثبت مقدم على النافي، ويأتي عمر رضي الله تعالى عنه ويفصل الموضوع فيقول: (إن الله لم يفرض علينا سجود التلاوة، ولكن من سجد فقد أصاب - أي: أصاب السنة - ومن لم يسجد فلا إثم عليه) ، وسبب ذلك أن عمر قرأ آية السجدة على المنبر، فنزل وسجد وسجد الناس معه، ثم لما كان في الخطبة الثانية في الأسبوع الآخر، قرأ آية سجدة فتهيأ الناس للسجدة فلم ينزل وقال: (يا أيها الناس! إن الله لم يفرض علينا سجود التلاوة، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا شيء عليه) .
إذاً: عمر بنفسه سجد وترك، فهل نقول: ترك عمر نسخ للفعل الأول؟ لا، ليس نسخاً؛ لأنه قد بين أنه لم يفرض علينا، وإنما السجود دائر بين الفعل والترك على سبيل الجواز.
إذاً: هذا الحديث لا ينسخ ما قبله، ولكن كما قدمنا مراراً أن من غايات المؤلف رحمه الله في تأليف هذا الكتاب بيان أدلة الأحكام عند الأئمة الأربعة، فمن قال: النجم فيها سجدة عنده الحديث الأول، ومن قال: النجم لا سجدة فيها عنده هذا الحديث الثاني، ومن جمع بين النصوص وأحكم فيها العمل، وأخضعها للقواعد عند المحدثين والأصوليين فسيخرج بنتيجة الجمع بين الأحاديث المختلفة، والله تعالى أعلم.