يستعيذ الإنسان بالله من فتنة الدنيا، وهل في فتنة الدنيا إحراق أو شدة؟ قالوا: لا، لكن بجامع الشدة في التحمل، والفتنة في الدنيا، انتقل استعمالها مرة ثالثة فيما يختبر به الإنسان ويُمتحن من التكاليف أو مما يعرض له من ظروف الحياة من شدة ورخاء، قد يفتن بالمال: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] ، وقد يفتن بالغنى: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7] ، وبعض العلماء يقول: الصبر على العافية أشق على النفس من الصبر على المرض والضعف؛ لأن المريض خامد ليس عنده شيء، لكن المتعافي يتحرك بالقوة وقد يعتدي بأدنى مناسبة، وهكذا زيادة المال تُطغي.
يقول ابن دقيق العيد: كل ما يرد على الإنسان من خير أو شر لامتحانه، وهنا يأتي مبحث بعض المربين: أيهما أفضل: الغني الشاكر الذي يصبر على النعمة التي افتتن بها لكنه يحفظها ويشكر الله عليها فلم يفتن أو الفقير الصابر الذي اختبر وامتحن بقلة المال فصبر؟ يُرجح الغني الشاكر؛ لأن الغني الشاكر شكره لغناه يجعله يعدي تلك النعمة إلى الآخرين، ويحسن إليهم بصدقة وبفعل الخير، لكن الفقير الصابر هو صابر، والناس ما نالهم من صبره شيء، وكما قالوا: الخير المتعدي أولى من الخير اللازم على صاحبه، وعلى هذا قالوا: فتنة المحيا كل ما يعطاه الإنسان من خير أو شر؛ فإن كان خيراً امتحن فيه، هل يؤدي شكر النعمة؟ وإن كان شراً؛ هل يصبر عليه؟ كما جاء في حديث عيادة المريض: (انظروا ماذا يقول لعواده؟ هل يشتكيني عليهم: أمرضني وأسقمني وسوى وسوى معي؟ أم يحمد الله على ما أعطاه، فإذا سمعوا منه أنه يشتكي الله عليه قال: دعوه مع الذي اشتكى لهم، وإذا سمعوا منه أنه يحمد الله على ما أصابه، وأنه رضي بقضاء الله وقدره فيقول: أمهلوه) فالله قد يحب أنين العبد الصالح في ابتلائه فيتركه على حاله ليصعد هذا الأنين الصادر من القلب إلى الله وحده.
يهمنا هنا أن فتنة المحيا تشمل كل شيء، وكما قدمنا في المال والولد: أنه قد يكون فتنة ولا يدري الإنسان ما هو الخير.