قوله: (ومن عذاب القبر) .
عذاب القبر يثبته كل طوائف المسلمين، ولم ينفه إلا المعتزلة، وقيل: البعض منهم فقط، وهذه مسألة مفروغ منها، ويذكر كثير من العلماء بأن النصوص في إثبات عذاب القبر تصير إلى حد التواتر، وسمعت من والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول: عذاب القبر يثبته العلماء من القرآن الكريم في قوله سبحانه في حق فرعون وآله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] ، وإدخالهم غدواً وعشياً متى يكون؟ قبل يوم القيامة، وهو في القبر, وقد جاء الحديث صريحاً: (القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار) ، وروى مالك في الموطأ حديث عائشة، في اليهودية التي جاءت تسألها، وقالت: (أعاذك الله من عذاب القبر، فجاء الرسول وسألته، وقال: صدقت، يا عائشة!) .
إلى آخره.
أريد أن أقول: يا إخوان! عذاب القبر، ونعيم القبر، وسؤال القبر كل أحوال القبر، رغماً عنا جميعاً نقر بأنها أمور غيبية، وعالم البرزخ عالم غيب، وليس للعقل ولا للتجربة ولا للمعمل ولا لجانب من جوانب الدنيا حتى أشعة الليزر وكل ما اخترعه الإنسان طريق إلى التوصل إلى شيء من أمره، وقد جاءتنا نصوص فيما يتعلق بما لا يمكن أن يتكلم به إنسان، جاء في حق موسى عليه السلام: (مررت على موسى في قبره قائماً يصلي) فهل كان له غرفة يصلي فيها؟ أو هل يوجد لحد عليه طوب اللبن، ويسعه وهو نائم؟ كيف يقوم يصلي فيه؟ تنص كُتب شرح العقيدة الواسطية على وقعة الحرة التي امتدت ثلاثة أيام، وعطل فيها الأذان والصلاة في المسجد النبوي، ولم يقو أحد أن يأتي إلى المسجد إلا سعيد بن المسيب، فهو أربعون عاماً لم تفته الجماعة، ولم ير قفا إنسان أمامه، دائماً في الصف الأول، يقول: كنت أسمع الأذان من الحجرة، من كان يؤذن؟! لا تقدر أن تقول شيئاً.
ويذكر ابن كثير في البداية والنهاية في فتح البحرين أن العلاء بن الحضرمي لما كانوا راجعين أصيب بالغدة فمات، فلما مات دفنوه حيث مات في الدهماء، فجاء أهل تلك الأرض فقالوا: يا أيها القوم! إن كان ميتكم عزيزاً عليكم فلا تتركوه؛ فإن هذه الأرض تلفظ موتاها، لا تقبلهم تردهم، والله امتن على الناس بالأرض كما قال: {أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} [المرسلات:25-26] ، وهذه الأرض لا تقبل الموتى، فقالوا: ما من حق ابن الحضرمي علينا أن نتركه نهباً للسباع، فرجعوا يحفرون القبر لينقلوه إلى أرض تقبل الموتى، فإذا بهم يجدون القبر خالياً من صاحبه، وإذا به امتد مد البصر، أنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أنا لا أتدخل في هذا، هذا قول ابن كثير، وهو عالم سلفي، وهو تلميذ ابن تيمية.
لقد جاء في الحديث: (ثم يمد إليه مد البصر) ، (إما روضة من رياض الجنة وإما ... ) إذاً: عالم البرزخ لا يقوى إنسان أن يتكلم فيه بالعقل، ولكن بمقتضى ما جاءت به النصوص الصحيحة، وهنا يأمرنا صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من عذاب القبر كما نستعيذ من عذاب جهنم، ولا يشك أي عاقل حتى في الديانات الأخرى النصرانية واليهودية بأن النار موجودة: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً} [البقرة:80] ، فكما أننا أُمرنا أن نستعيذ بالله من النار، أمرنا أن نستعيذ بالله من عذاب القبر، فهما قرينان.