شرح حديث: (يقطع صلاة الرجل المسلم ... )

قال رحمه الله: [وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقطع صلاة الرجل المسلم -إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل- المرأة والحمار والكلب الأسود.

الحديث، وفيه: الكلب الأسود شيطان) أخرجه مسلم] .

قطع الصلاة بمعنى إبطالها؛ ولذا قال بعض العلماء: لا يقطع الصلاة إلا الحدث، فمن اعتبر السترة واجبة، قال: من لم يتخذ سترة ومر بين يديه أحد هذه الثلاث، بطلت صلاته، فإذا كان مرور هذه الثلاث بين يدي المصلي الذي لم يتخذ سترة تبطل صلاته، فهل مرور غيرها يقطع الصلاة؟ فلو مر رجل، أو ذئب، فهل تبطل الصلاة؟ التنصيص على هذه الثلاث يخصها، ويرفع الحكم عما عداها، وقد تكلموا على هذا الحديث، وأول من تكلم عليه أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها.

فقالت: رحم الله فلاناً -تعني: الراوي- ما فتئ أن جعلنا مع الكلاب والحمير!! وذلك لأنه روى حديث: (يقطع صلاة المرء المسلم: المرأة والكلب والحمار) ، فقالت: رحمه الله! ما فتئ أن جعلنا مع الكلاب والحمير، لقد رأيتني أنام معترضة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وكان يطيل القراءة، فأمد قدمي -أي: بين يديه- فإذا أراد أن يسجد غمزني، فكففتهما ليسجد، قالوا: فهي امرأة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تقطع صلاته صلى الله عليه وسلم.

أجاب الآخرون وقالوا: النص جاء في المرور وليس في النوم، فقال الأولون: أخبرونا ما علة تخصيص المرأة عن الرجل؟ قالوا: الفتنة، قالوا: وأي فتنة أشد: امرأة تمر في لحظة أم امرأة نائمة مستلقية أمامه؟ أيهما أدخل في باب الفتنة؟ النائمة، فقد تتقلب يميناً وشمالاً، قالوا: لا، هذه زوجة، قال الأولون: فالرجل يشغل بزوجته أكثر من الأجنبية، وهو قد يطمع في الأجنبية، لكن نظره وفكره دائماً متجه للزوجة، وقال بعضهم: هذه خصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن قالوا: أين التخصيص؟ فخرجت المرأة بنفسها، وخرج معها سائر النساء.

كذلك قطع الصلاة بالحمار، جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت على حمار أتان -الحمار اسم الجنس، والأتان هي أنثى الحمير- والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى الظهر أو العصر؛ فمررت بالأتان بين يدي بعض الصف، ثم نزلت فصففت معهم، وتركت الأتان ترعى، فلم ينكر علي أحد) ، وكان سن ابن عباس في ذلك الوقت ثلاث عشرة سنة؛ لأنه قال: وقد ناهزت الاحتلام، قالوا: وهذا السن سن إدراك وتمييز، ولو كان هناك إنكار لأنكر عليه؛ لأنه يدرك ذلك، فمروره بالحمار بين يدي بعض الصف ولم يقطع صلاتهم؛ دليل على أن الحمار لا يقطع الصلاة، لكن قالوا: إن مروره بين الصفوف ليس مروراً بين يدي المصلين بدون السترة؛ لأن المصلين سترتهم سترة الإمام، أو الإمام بنفسه سترة لهم، ومن هنا قال مالك رحمه الله: إذا احتاج الإنسان أن يمر بين يدي الصفوف في صلاة الجماعة فلا مانع، وأكره ذلك لغير حاجة.

إذاً: من كان يريد أن يذهب لحاجته وقت صلاة الجماعة فيتجنب المرور بين الصفوف، وإذا لم يجد مكاناً إلا بين الصفوف فلا مانع؛ لأن كل من وراء الإمام سترته سترة الإمام أو الإمام بنفسه سترة لهم.

الشاهد أن من العلماء من أجاب عن قطع الحمار للصلاة بحديث ابن عباس، وأجاب الآخرون عنهم بما ذكرنا.

أما الكلب فلم يأت ما يعارضه كما جاء في المرأة وفي الحمار، فيبقى على الخبر، لكنه وصف بالأسود، وجاءت الروايات بأن الكلب الأسود شيطان، ومن العجيب أن بعضهم يفرق بين الكلب المأذون في اقتنائه وغير المأذون في اقتنائه! والصواب أن الكلب الأسود يقطع الصلاة، كما في النص، ولم يأت ما يخرجه مثل المرأة والحمار.

فهذا ما يتعلق بإبطال الصلاة وقطعها بمرور هذه الثلاث، ولا ينبغي للمصلي أن يفرط في اتخاذ السترة، ولا ينبغي للمار أن يتعدى على حرمة المصلي.

ثم قال المؤلف رحمه الله: [وله عن أبي هريرة نحوه دون الكلب، ولـ أبي داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه دون آخره، وقيد المرأة بالحائض] .

(قيد المرأة) أي: في حديث: (يقطع صلاة الرجل المسلم: المرأة والحمار والكلب) ، وهذه الزيادة قيدت المرأة بكونها حائضاً، ويقول الأصوليون: هذا وصف مناسب، فإذا اعتبرت الحيضة بالنسبة للمرأة كان اعتباراً مناسباً، ولكن سيأتي ما يهدم هذا كله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015