قال المؤلف: [وله عن عقبة بن عامر: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب] .
هذا الحديث مع أحاديث الباب تعتبر من باب تعارض الحديث، وللعلماء فيها مذاهب شتى، والنصان اللذان سمعناهما نستفيد منهما أن الأوقات المنهي عنها متفاوته في الكراهية.
وقوله: (ثلاث ساعات كان صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر موتانا) أول ساعة من هذه الساعات الثلاث هي: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، ثم: حين يقوم قائم الظهيرة.
وقيام قائم الظهيرة هو عند استواء الشمس في كبد السماء، وكما يقول علماء الهندسة: تكون في زاوية قائمة، أي: ليست حادة ولا منفرجة، وقد جاء في بعض النصوص أنه حينما تكون الشمس متعامدة على رأسك كالرمح، أي تنزل أشعة الشمس مستقيمة من السماء إلى الأرض.
وقوله: (حتى تزول عن كبد السماء) : معرفة زوالها لا نستطيع تحديده بالنظر إلى الشمس بذاتها، ولكن بالنظر إلى الظل؛ لأن الظل معاكس لوجود الشمس، فحينما تكون الشمس في المشرق يكون الظل إلى المغرب، وحينما تتحول الشمس من كبد السماء من نقطة الصفر إلى الغرب يتحول الظل إلى الشرق، فنحن نعرف متى تزول الشمس عن كبد السماء ومتى لا تزول بالنظر إلى الظل في الأرض.
وقوله: (وحين تتضيف الشمس للغروب) أي: حتى تغرب.
هذه الأوقات الثلاثة هي من الأوقات السبعة المنهي عن الصلاة فيها؛ ولكنها تميزت عن بقية الأوقات بالنهي عن الصلاة مع إضافة النهي عن قبر الموتى، ولهذا كانت هذه الأوقات الثلاثة أخص وأشد من غيرها.
أما وقت ابتداء ظهور حاجب الشمس، أي: قرص الشمس الأعلى، إلى أن يكتمل ظهور قرص الشمس على وجه الأرض، ويرتفع عن سطح الأرض قدر رمح، وهو قدر قامة الإنسان تقريباً؛ فهذا الوقت يتفق الجميع بدون استثناء أنه لا تصح الصلاة فيه إلا وقت الضرورة الذي تقدم في حديث: (من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) ، فهو سيصلي الركعة الثانية أثناء طلوع قرص الشمس حتى ترتفع، وهذا هو الوقت الذي نهينا عن الصلاة فيه؛ لكن الصلاة في هذه الحالة ليست ابتداء ولا مستقلة، وإنما هي تابعة لدخوله في الصلاة قبل أن يبدأ قرص الشمس بالظهور.
وذكر ابن عبد البر عن بعض الفقهاء أنه يمنع من صلاة الصبح في ذلك الوقت، لكن يحمل هذا المنع على ما إذا بدأ الصلاة عند ظهور قرص الشمس، أما إذا بدأ الصلاة قبل أن يظهر قرص الشمس فإنه يكمل صلاته، ولا يضره أن تطلع عليه الشمس وهو في الصلاة.
أما الصلاة المطلقة عند بزوغ الشمس أو تضيفها للغروب، فلا يجوز باتفاق الجميع أن ينشئ صلاة في تلك الحالة إلا إذا كان سيصلي الصبح الفائتة أو العصر الفائتة.