وفي الحديث موضوع اجتماعي أو جانب عاطفي، وهو ما يسمى بالرفق بالحيوان، وينبغي أن يعلن للعالم كله أن الإسلام سبق أهل العالم المحتضر! -وليس المتحضر بل المحتضر! - فيما يتعلق بالنواحي الإنسانية، سواء حقوق الإنسان، أو الرفق بالحيوان، وقد جاء حديث آخر أصرح من هذا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) ، ويقابل هذا حديث: (كانت بغي من بني إسرائيل تسير في الطريق، فاشتد عليها العطش، فوجدت بئراً، فنزلت وشربت، فلما صعدت وجدت كلباً يأكل الثرى من شدة العطش، فقالت: يا ويلتاه! لقد لحقه من العطش مثل ما لحقني، فنزلت إلى البئر وأخذت خفها أو موقها وملأته بالماء، وخرجت به وأصغته إلى الكلب فشرب، فشكر الله لها فدخلت الجنة) ، (شكر اللهَ لها) أي: أن الكلب شكر الله لها أن سقته لوجه الله، أو (فشكر اللهُ) : لفظ الجلالة فاعل الشكر، أي: شكر الله لها صنيعها في الكلب والرفق به.
إذاً: بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الرفق بالحيوان حتى في الهرة، فالإنسان من باب أولى، فمن وجبت عليه مئونة إنسان ومنع عنه الطعام، أو قصر فيما يجب عليه مع اليسار، فيخشى عليه من عذاب النار، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى الخدم، وإذا أتاك خادمك بالطعام فإن لم تجلسه يأكل معك فأطعمه منه، فقد عالجه وتطلعت إليه نفسه، فانظر إلى النواحي النفسية؛ فالطاهي الذي صنع لك الطعام وأتاك به بكامله، لا تستأثر بالطعام وحدك، وتقول له: اذهب، وابحث لك عن شيء آخر لتأكله! بل إما أن تجلسه معك، وهو أخوك، فلا تستأنف من ذلك، ولا تخشى من تعويده، أو غير ذلك، بل أطعمه منه، وكما يقول العوام: اتق عينه، فهذا الطعام قد تعلقت نفسه به، فخف على نفسك من النظرة.
إذاً: أبو قتادة رضي الله تعالى عنه أصغى الإناء للهرة، وهذا فعل من أبي قتادة رضي الله تعالى عنه، ولم يرفع هذا الفعل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعض الناس يقول: هذا موقوف وهو من فعل الصحابي؛ ولكن أبو قتادة رفع قوله: (إنها ليست بنجس) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا يكون المؤلف رحمه الله ساق هذا الحديث في باب المياه ليبين أن الهرة إذا طافت بالبيت وشربت من الماء أو أكلت من الطعام فإنها ليست بنجس؛ لكن لو شاهدنا على فمها أثر نجاسة، فيكون الحكم للنجس الذي شاهدناه.