الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه) رواه الدارقطني] .
الاستنزاه من البول ومن جميع النجاسات واجب سواء كان للصلاة أو غيرها، والبعض يقول: الوجوب فيه من أجل الطهارة للصلاة، والجمهور على أن الواجب الاستنزاه من القذارات ولو لم تكن نجسة، ثم يجب التجنب لكل النجاسات قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] كما قيل في بعض أوجه التفسير في هذا اللفظ الكريم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (استنزهوا) أخذ منه العلماء أن البول نجس ينبغي التنزه عنه، وكيف يكون التنزه من البول؟ قالوا: بعدم مخالطته.
وفي بعض الروايات: (استبرئوا من البول) كما في حديث عذاب القبر لرجلين، الذي جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ ثم قال: بلى إنه لكبير! أما أحدهما فكان لا يستتر -وفي رواية: فكان لا يستنزه، وفي رواية: فكان لا يستبرئ- من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس) .
، وهذا الحديث أطال الشوكاني في شرحه في نيل الأوطار.
: (استتروا من البول أو استنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه) .
(عامة) من ألفاظ العموم، وبعضهم يقول: فإن عذاب القبر منه، وقالوا: مناسبة عذاب القبر من البول ليس في ذاته، فإنه لم يترتب العذاب على عدم التنزه من البول أو الاستبراء من البول، ولكن لأنه يؤدي الصلاة وهو على تلك الحالة، والصلاة يشترط فيها طهارة البدن والثوب والمكان، فهو حينئذ إذا لم يستنزه من البول وصلى سيكون فاقد شرط صحة الصلاة، فتكون الصلاة باطلة، ومن بطلت صلاته كان هذا مصيره، وسيأتي زيادة الإيضاح لذلك بعد الحديث الآتي إن شاء الله.