قال المصنف رحمه الله: [وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتوارث أهل ملتين) رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي، وأخرجه الحاكم بلفظ أسامة، وروى النسائي حديث أسامة بهذا اللفظ] .
تقدم في الحديث السابق: (لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم) ، وهذا فيه نوع من الإجمال، وكان حري بالمؤلف أن يأتي بهذا الحديث بجواره، ولكنه جاءنا بحديث بيان ميراث البنت وبنت الابن والأخت معهما، وهنا: (لا يتوارث أهل ملتين) ، الملة: هي المعتقد والدين، وإذا نظرنا إلى ملتين وجئنا إلى كلام العلماء: هل الكفر كله ملة واحدة أو ملل شتى.
إن كان الكفر كله ملة واحدة؛ فهذا بمعنى الحديث الأول: (لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم) ، أياً كان نوع كفره، وإذا كان الكفر مللاً شتى فيكون هناك جانبان: علاقة المسلم بغيره، وعلاقة أصحاب الملل بعضهم ببعض.
وهنا نجد من العلماء من يقول: الكفر كله ملة واحدة.
وهناك من يقول: الكفر ملل.
ويستدل كل بما لديه.
ومن أدلة كون الكفر مللاً شتى أن هناك اليهود والنصارى، وكل منهما يحارب الأخرى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:113] ، فكل منهما يحارب الأخرى في ملتها وعقيدتها.
مالك رحمه الله يقول: الكفر ثلاث ملل: يهودية، ونصرانية بنص الكتاب (وقالت اليهود) (وقالت النصارى) وما عدا اليهود والنصارى يجتمعون تحت مسمى ملة واحدة، فالمجوس والصابئة وعبدة الأوثان.
كل هؤلاء عند مالك ملة واحدة.
وهناك من يقول: كل مسمى من هذه المسميات ملة مستقلة.
وهناك من يقول: كل هذه الأصناف ملة واحدة.
وعلى هذا فالمسلم لا يرث اليهودي ولا النصراني، ولا أجناس الملل الأخرى، وعند مالك: اليهودي لا يرث النصراني، والنصراني لا يرث اليهودي، وكل منهما لا يرث الملل الأخرى من الصابئة والمجوس وعبدة النجوم.
إلخ.
إذاً: (لا يتوارث أهل ملتين) ، أي: مختلفتين في المعتقد والمنهج، والبعض يقول: إن المجوس ملة مستقلة، وكان لها كتاب ثم نسخ، والذي يهمنا الخلاف في ميراث المسلم من غيره، سواء كان غير الإسلام ملة واحدة فلا ميراث أو مللاً شتى أيضاً فلا ميراث بينها وبين المسلمين، أما هم فيما بينهم فسيرجع إلى التفصيل المتقدم، إن قلنا: بملل شتى فلا يهودي يرث نصرانياً، ولا نصراني يرث يهودياً، ولا واحد منهما يرث مجوسياً ولا بوذياً ولا وثنياً.