قال المصنف رحمه الله: [وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه (في بنت وبنت ابن وأخت، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت) ، رواه البخاري] .
في هذه المسألة ثلاثة مناهج: منهج أهل الحديث، أو منهاج الرحبية، أو منهج الفقهاء، وأيسرها وأوضحها عند طالب العلم منهج الرحبية، وقد تقدم بحمد الله المرور عليها فيما قبل، ولكن نحن الآن سنأخذ ما يورده المؤلف، والرحبية أشرطة مسجلة في مكتبة الحرم.
فمنهج الرحبية هو الإتيان بالفروض متتابعة: إذا قلنا بأن النصف هو الفرض، فإننا ننظر من الذي يرث النصف؛ ثم نأتي بالورثة من الرجال، والوارثات من النساء، ويحدد بحيث لا تستطيع أن تدخل واحداً أو تخرج آخر، لأنهم عدد محصور محدود، والمؤلف هنا جاءنا بمسائل فردية وصورة وقعت.
هذه صورة يسوقها لنا بهذا الشكل، وتقدم بحثها في غير هذا الموضع، ابن مسعود يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أُتي بمسألة فرضية: بنت، وبنت ابن، وأخت.
هنا لم يذكر لنا أي أنواع الأخوات كانت، نحن نعرف جهة الأخوة، ولكن نعلم بأن جهة الأخوة تتفاوت، هل هي أخت شقيقة، أو لأب، أو لأم؟ لكن التقسيم يدلنا على أنها ليست لأم، إما شقيقة أو أخت لأب، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعطى البنت نصف التركة، وأعطى بنت الابن السدس مع البنت، وإذا ضممنا السدس إلى النصف كان الثلثين، والباقي أعطاه للأخت، إذاً هذه الأخت ليست لأم؛ لأن الأخت لأم نصيبها السدس، وهذا ثلث، فهو ضعف ما تستحقه التي لأم، إذاً: هي إما شقيقة وإما لأب.
وكون بنت الابن تأخذ السدس؛ لأن البنات إذا كانتا اثنتين فأكثر يكون لهن الثلثان، فإذا وجد ثلاث بنات وبنت ابن سيكون البنات لهن الثلثان، وبنت الابن لا شيء لها؛ لاستغراق البنات للثلثين.
وهذا فيه تنصيص على أن الأخت مع البنت عاصبة لها: والأخوات إن تكن بنات فهن معهن معصبات الأخوات إن كن بنات، أي: إذا وجد بنات للميت وأخوات، فالبنات من أصحاب الفروض، والأخوات ينتقلن من الفروض إلى التعصيب مع الغير -مع البنات- فيأخذن ما بقي.
لو كانت بنت صلبية وأخت شقيقة فللبنت النصف، وبقي النصف للأخت الشقيقة تعصيباً؛ لأنها عصبة مع البنت، فإذا وجد بنات وأخذن الثلثين فإن الباقي للشقائق، ولو وجد مع البنات أم وزوجة، فالأم تأخذ السدس، والزوجة الثمن والبنات الثلثين، وما بقي من التركة فهو للأخت.
وأنصح الإخوة مرة أخرى أن يرجعوا إلى كتب الفرائض التي اختصت بهذا الفن، والأصل في هذا الرحبية وأمثالها، والشروح القديمة عليها ميسرة وسهلة، ويستطيع أن يتعاون مع بعض إخوانه الذين درسوها سابقاً، أو الذين يستطيعون أن يحللوا ألفاظ الكتاب ويستفيدون منه؛ لأن الفرائض في كتب الحديث لا تكفي، إنما هي أصول كما أشرنا: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر) ، إذ كل مباحث الفرائض جاءت في هذا الحديث، لكن ما كل العقول تستطيع أن تستوعبها أو تستنتجها، فيجد في كتب الفرائض الشرح المبسط لهذا الباب.