سند الحديث القدسي ليس كالقرآن، فقد يكون من النوع الذي يكون فيه (نفث في روعي) ، كما جاء: (نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل قوتها) ، والنفث في الروع إحساس، وقد يشترك فيه عامة الناس ممن اصطفاه الله وصفت روحه؛ كقضية الرجل الذي كان مع الرهط ونزلوا على حي وطلبوا القرى، قالوا: اذهبوا، فقد أتيتم من عند هذا الصابئ فليس لكم عندنا شيء، فجلسوا، فسلط الله عقرباً على سيد الحي، فذهبوا يبحثون يمنة ويسرة عمن يداويه من لدغة العقرب فما وجدوا أحداً، ثم قالوا: هلا ذهبتم إلى هؤلاء النفر.
فأتوهم: هل فيكم من راق؛ فإن سيد الحي لدغ.
قال: لا، طلبنا منكم القرى فامتنعتم، لا أرقيه لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً -أجراً- فآجروه على قطيع من الغنم، يقول: فأخذت أقرأ عليه وأنفث، فقام كأنه نشط من عقال، قالوا: ماذا قرأت عليه؟ قال: فاتحة الكتاب (سبع مرات) ، وجاء يسوق الغنم لأصحابه، قالوا: نقسم.
قال: لا، حتى نرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسأله: هل لنا حق في أخذ هذه الغنم أم لا؟ وهل نأخذ أجراً على قراءة القرآن؟ فلما جاءوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وما يدريك أنها رقية؟ قال: شيء نفث في روعي) ، الحاسة السادسة كما يقولون، أحسست في نفسي وشعوري، هذا الإحساس وهذا الشعور هو اليقين ونور الإيمان، كما في الحديث: (اتقوا فراسة المؤمن؛ فإنه يرى بنور الله) ، فالله سبحانه وتعالى ألهمه ووجهه بأن يقرأ عليه الفاتحة.
إذاً: الحديث القدسي قد يكون شيء ينفث في الروع، وجاء لرسول الله، فكيف وصل إلينا من رسول الله؟ عن فلان عن فلان عن فلان، ومن فلان وفلان وفلان؟ بخلاف القرآن: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:19-22] ، وحينما يأتي إلى صاحبهم يقول: هلموا يا كتبة الوحي واكتبوا، فحينما ينزل القرآن على رسول الله بهذا السند القوي المتين حالاً يسطر، فحفظ القرآن بذلك، وأما الحديث القدسي فما كانوا يكتبونه، ونحتاج إلى أن ننظر من الذي نقله لنا؛ هذا الحديث أبو هريرة، ومن الذي قبله؟ فهنا الحديث القدسي يتوقف على السند، فقد يكون السند قوياً صحيحاً مهماً، وقد يكون قابلاً للنظر والبحث.
القرآن قطعي الثبوت، ومن أنكر حرفاً واحداً منه كفر، والحديث القدسي لو أنكره إنسان بكامله وقال: هذا السند لا يثبت عندي، وإن كان قدسياً.
يقال له: نبحث في السند، فإن توصلنا إلى صحة السند التزم به، وإذا لم نتوصل إليه كان إنكاره وجحوده إياه صحيحاً.
فهذا فرق بينهم.
أما من حيث الموضوع: فقد أمرنا الله أن نتعبد بكتابه تلاوة وعملاً وتطبيقاً.
أما الحديث القدسي فما تعبدنا الله بقراءته، ولو قرأت ألف حديث قدسي فإنه لا يساوي: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1] ؛ لأن القرآن نزل للتعبد، ولا تصح الصلاة بالحديث القدسي وإن كان فيه (قال الله) ، وتصح الصلاة بالقرآن.
هذا جوهر الفرق ما بين القرآن والحديث القدسي.