الحديث القدسي يأتينا عن رسول الله، فهو الذي ينقل لنا قول الله، والقرآن كلام الله؛ فالحديث القدسي والقرآن يشتركان في النسبة إلى الله تعالى، فما الفرق بين القرآن وهو كلام الله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] ، وبين الحديث القدسي والرسول يقول: قال الله؟ أما الفرق بين القرآن والحديث القدسي؛ فإنه من حيث السند، ولفظه وطريقة وصوله إلينا: فالقرآن -كما يقول العلماء- قطعي الثبوت ظني الدلالة، أو مختلف في ظنيه أو قطعيه، هناك الاشتراك اللفظي وهناك الاشتراك المعنوي، وهناك الناسخ والمنسوخ.
إلى غير ذلك.
فالقرآن له طرق وحي ثابتة: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى:51] وهذا الذي كان يحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يأتيه الوحي، ويكون في إغفاءة كالإغماء.
إذاً: القرآن قطعي الثبوت عن الله؛ لأن الله قد بين سند القرآن في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:19-22] ((إنه لقول)) (إنه) ضمير الشأن راجع للقرآن، ((رسول)) الرسول معناها المرسل، والمرسول معناها يحمل رسالة، رسول حمل رسالة، من الذي أرسل الرسول الكريم؟ الله ((ذي قوة)) ، وما الذي نحن نستفيده من قوته، ونحن إنما نريد إبلاغ الرسالة؟ فهو ليس عامل بريد مسكين ضعيف يأتي على الدراجة ويقدم لك الرسالة، فعامل البريد ربما هجم عليه أناس وأخذوا منه الشنطة ويدفعون إليه شنطة مزيفة ويذهب يوزعها على الناس مزيفة، لكن هذا الرسول قوي، لا يستطيع أحد أن يدنو منه ويغير عليه شيء مما أرسل به: (إنه لقول رسول كريم) أولاً: كريم هو بنفسه كريم، ثم (ذي قوة عند ذي العرش مكين) ، متمكن من أداء واجبه.
والرسالة أرسلت لصاحبكم: (وما صاحبكم بمجنون) ، عاقل وافر العقل، لا يمكن أن يغير شيئاً مما أرسل إليه.
ثم هذا الرسول وإن كان ملكاً لكن قد انكشف أمره لرسول الله، ورآه على حالته الملائكية؟ في الأفق المبين: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:23-24] ، إذاً: تعرف رسول الله على جبريل الذي يأتيه بالرسالة، وهو قوي مطاع في عالم السماء، قوي على رسالته، هذا سند القرآن الكريم.