قال المصنف رحمه الله: [وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشفعة كحل العقال) رواه ابن ماجة والبزار وزاد: (ولا شفعة لغائب) وإسناده ضعيف] .
إسناده ضعيف لا يقاوم إسناد غيره.
وقوله: (الشفعة كحل العقال) يعني: إذا أبقيت العقال على البعير أمسكته، وإذا حللت العقال انفلت عليك، فكذلك الشفعة إن أنت طالبت بها عقلتها ولك الحق في مطالبتك بها، وإذا تركتها أو أفلت عقالها انطلقت عنك، وقد قدمنا بأن البعض يقول: يعفى في ذلك الوقت الضروري، فإذا علم وقت القائلة وشدة الحر فليس بملزم أن يكلف نفسه ويذهب إلى المشتري ويقول: شفعت عليك، وإذا بلغه الخبر وهو يتناول الطعام فليس عليه أن يترك طعامه ويذهب يطلب الشفعة بل يتم أكل طعامه، بل قال الحنابلة: ويستريح بعد الطعام إلى أن يهضم ثم يذهب ويطلب الشفعة، هذا الذي عليه الجمهور في المبادرة وإن كان الصنعاني أو غيره يقول: الأصل ثبوت الشفعة، وأما التعجل بها أو الفورية فليس هناك دليل، ولكن الآخرون يقولون: إن لم يكن في المسألة دليل شرعي ففيها دليل عقلي، وهو: إذا كنت شريكاً والمشتري قد اشترى وشريكك قد ذهب وأنت تريد أن تشفع؛ فإن لم يكن هناك توقيت للشفعة فإنك تستطيع أن تلحق ضرراً بالمشتري؛ لأنه حينما يشتري هو لا يعلم أتشفع أو لا تشفع؟ إذا أراد أن يعمر أو أن يغرس أو أراد أن ينمي ما اشتراه توقف؛ لأنه لا يدري أيثبت له ما اشتراه أم ينتزع منه بالشفعة؟ فتكون فيه مضرة أكثر، فقالوا: ليس تحديد الزمن بأولى من زمن، فتكون على الفور.
وبعضهم يقول: إن كان غائباً فيعطى مهلة ثلاثة أيام إن كان سفره قريباً، أما إذا كان بعيداً فليس بملزم أن يقطع سفره ويأتي ويعلن الشفعة، ويقول مالك رحمه الله: إذا كان مسافراً سفراً بعيداً، فإنه حينما يعلم في غيبته بالبيع يشهد أنه شافع، فإذا رجع إلى بلده تقدم بطلب الشفعة وقدم الإثبات على أنه قد طالب بالشفعة منذ علم، وحينئذ يكون له الحق ولو طال الزمن، فإذا طال الزمن والمشتري قد بنى وغرس فماذا يكون حكم البناء والغرس الجديد؟ قالوا: يأخذ الشافع الأرض بقيمتها التي اشتراها المشتري ويقدر ما عليها من البناء والغرس الذي أقامه المشتري؛ لأنه حقه فلا يظلم فيه؛ فإن استعد ودفع ثمن الأرض وما لحقها من بناء وغراس فله الحق، ونكون بهذا قد حفظنا على المشتري حقه، ورددنا عليه قيمة الأرض ورددنا عليه ما أنفق في غرس وبناء فلم يقع عليه ظلم.
وبقي هنا أبحاث في باب الشفعة لأنها كما أشرت سابقاً واسعة، منها: إذا كان الشركاء متعددين، أو كان المشترون من الشريك الواحد متعددين، فمثلاً: الدار لخمسة أولاد ورثوها من أبيهم، فكل واحد له الخمس، فجاء واحد من الخمسة وباع سهمه، فكيف يكون حظ الشفعة للأربعة؟ لو قام واحد من الأربعة ليشفع على مشتري الخمس فالطريق واضح، فله أن يأخذ بالثمن الذي بيع به ويضمه إلى خمسه الأول ويصير له خمسان، والثلاثة الإخوة الآخرون لكل واحد منهم الخمس.
لكن لو قام الأربعة يطلبون الشفعة في الخمس الذي باعه أخوهم، فلمن نعطيه منهم؟ قالوا: نعطيه للأربعة؛ لأنهم كلهم متساوون في الحق، فإذا أعطيناهم الشفعة، ورددنا الخمس إليهم وهم أربعة فكم لكل واحد منهم في هذا الخمس؟ قالوا: نقسم الخمس الذي بيع على الموجودين بحصصهم، وأصبح الملك الآن لأربعة؛ لأنهم أربعة أشخاص لكل واحد منهم ربع الخمس الذي بيع.
وإذا كان العكس: اثنان مشتركان بالنصف وباع أحد الشريكين نصيبه على أربعة أشخاص، فجاء الشفيع صاحب القسم الثاني وشفع، أيشفع على واحد من الأربعة أم على الجميع؟ الجواب: على الجميع، فلو شفع على واحد فقط فيقال له: لا، إن فيه مضرة، والمبيع جزء واحد، فاشفع في هذا المبيع كله بصرف النظر عن المشترين، فإذا قال: لا، أنا آخذ حصة واحد فقط، فيقال له: لا، إما أن تأخذ كامل الشقص الذي بيع بصرف النظر عمن اشتراه، واحد أو اثنان أو أربعة وإما أن تتركه كله، فحينئذ إن أراد بأن يشتري الشقص كاملاً من الأربعة يلزم أن تكون الشفعة عليهم جميعاً.