قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إن كان طريقهما واحداً) رواه أحمد والأربعة ورجاله ثقات] .
يأتي المؤلف بهذا الحديث بعد حديث أبي رافع، وهذا الحديث بلفظ: (الجار أحق بشفعة جاره) فهذا نص صريح في ثبوت الشفعة بين الجارين، والذين يمنعون الشفعة في الجوار بمعنى الملاصق أو المجاور، قالوا: الجار أحق بشفعة جاره.
بمعنى: الجار المشارك، واستدلوا بقول القائل: (أجارتنا بيني فما أنت بجارة) ، فهو طلق الزوجة وسماها جارة وقالوا: إن اللغة تطلق على كل ما كان قسيماً لشيء أنه جار، فلو جئت إلى دائرة وأخذت أقطارها من المركز الذي في الوسط إلى المحيط، فكل قسم من هذا مجاور للقسم الثاني وهكذا، فهي كلها في جزء واحد مشتركة في الدائرة ولكن كل ما بين قطبين يعتبر مجاوراً للقطب الثاني أو للقسم الثاني مع أنها مشاركة له في عين الدائرة، فقالوا: كذلك كل ما كان شريكاً في شيء فهو مجاور له، وعلى كل هذا كما يقال: من التأويل والنص هنا صريح، ولذا فإن من اختيارات ابن تيمية رحمه الله: أن هذا الحديث مخصص لعموم الجار؛ لأنه قيده: (الجار أحق بشفعة جاره إذا كان طريقهما واحداً) أي: مشتركاً، فهذا يخصص الشفعة التي جاءت في: (الجار أحق بصقبه) ففي هذا الحديث عموم الجار، فقال: لكن عموم الجار قد خصص هنا؛ لأن وجود بعض شراكة في مرافق العقار تدل نوعاً ما على المشاركة، والشفعة وضعت لرفع المضرة، وقد يتضرر الجار من جار جديد، ولكن كما قدمنا أنهم يحددون الجار هنا في الطريق غير النافذ، أما إذا كان طريقاً عاماً فليس أحد أولى من أحد؛ لأن الطريق العام يمر به الجار وغير الجار، أما إذا كان الطريق غير نافذ وعليه بيتين من اليمين وبيتين من اليسار وبيت في الرأس في الآخر؛ فإن المرور من هذا الطريق محدود محصور ولا ممدوحة لأحد من هؤلاء الجيران عن أن يمر من هذا المكان، فقد يكون الشافع بالجوار في هذا المحل يؤذي بعض جيرانه الآخرين، فقالوا: ترفع المضرة عنه بالشفعة، والآخرون قالوا: مضرة الجار مع جاره أقل نسبياً من مضرة الشريك مع الشريك في الرقبة وفي عين العقار، والله أعلم.