قال المصنف: [وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: (أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا أتيت وكيلي بخيبر فخذ منه خمسة عشر وسقاً) رواه أبو داود وصححه] .
هذا الحديث في موضوع الوكالة، وموضوع الوكالة من ضروريات الأخذ والعطاء والحركة؛ لأن كثيراً من الناس تكون له الحاجة والمصلحة التي لا يستطيع أن يؤديها، أو لا يتأتى له أن يدخل فيها، مثل إنسان له حقوق عند بعض الناس، ولا يمكن تخليصها إلا عن طريق السلطة والمحاكمة، وبعض الناس يكون بمكانة من المروءة أو من السلوك ولا يحب أن يجلس في مجلس القضاء، ولا أن يناقشه خصمه، وقد يكون دونه، وقد يتجرأ عليه بكلمة، فهو يعفي نفسه من هذه المقابلات، ويوكل شخصاً عنه في المحاكمة.
أو إنسان مقيم في بلد، وله مصالح وحقوق في بلد أخرى، ولا يستطيع أن يواصل ويباشر طلبها بنفسه، لبعد المشقة أو لاختلاف الوضع أو أو إلى أخره، فماذا يفعل؟ هل يضيع حقه؟ لا، يقيم وكيلاً عنه يتولى ذلك.
إذاً: الوكالة تقتضيها حياة الناس، وقد تكون امرأة ما تحسن الكلام، قال الله: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18] ، وتوجهت عليها دعوى، ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها أمام أخيها أو أمام عمها أو غيرهما، فماذا تفعل؟ هل تذهب عند القاضي تبكي؟ البكاء ما يعبر عن الحق، والقاضي ما تستميله العواطف، والقاضي لا يحكم بعلمه: (إنكم تختصمون إلي، وأنا بشر، فلعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من الآخر؛ فأقضي له على نحو ما أسمع) ، إذاً: هذه محتاجة إلى أن تقيم وكيلاً عنها، ويكون مستوعباً لقضيتها مع خصمها، ويقف أمامه موقف الند للند.
إذاً: الوكالة أمر تقتضية الحياة، وضرورة التعامل مع الناس سواء كان بالاختيار أو بالاضطرار، وكما يقولون: الوكيل كالأصيل، والوكيل على قسمين: وكيل مستقل، ووكيل مطلق.
ويذكر الفقهاء من شروط الوكالة وحقوق الوكيل مع الأصيل أن الوكيل يحكي الأصيل فيما ينقله عنه، وفيما يوصله إلى القاضي.
وهل للوكيل أن يوكل غيره؟ وهل للوكيل إذا وكل في عمل أن ينيب غيره فيه؟ كل هذه الجزئيات تبحث في كتب الفقه.
واتفقوا على أنه إذا وكل في أمر، ولم يعط حق توكيل الغير؛ فلا يحق له ذلك، ويجب أن يباشر ذلك بنفسه، ويجب أن يباشر العمل الذي وكل فيه إلا إذا اقتضى الأمر عملاً لا يليق بمثله، كما لو كان وكيلاً في بيع وشراء في متجر، فإنه يباشر فتح المحل، ويباشر عرض المتاع الموجود، ويباشر معاملة الزبائن بكيل أو بوزن أو بذرع أو بمثل ذلك، وهو مسئول عن هذه الأعمال بنفسه، لكن إذا كانت هناك نوعيات في المستودع لمصلحة هذا المحل، ولا يمكن أن يحملها إلا حمال مختص، ولا يمكن نقلها من المستودع إلى المحل إلا بآلة، فهل نقول له: احملها على ظهرك كالحمال؟! لا، لأنه لا يليق به، فله أن يستأجر من يؤدي هذا العمل، ولو أن المحل احتاج إلى إصلاح: ترميم البناء أو الأرض أو السقف، ومثله لا يفعل هذا، فيأتي بمن يفعل هذا على حساب موكله؛ لأنه يعمل ما فيه المصلحة، والوكالة باب واسع تتناوله كتب الفروع، ويلزم على طالب العلم أن يرجع فيها إلى تلك المراجع.
وفي هذا الحديث أن جابر بن عبد الله الصحابي الجليل، توجه إلى خيبر لمصلحته أو أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم لحاجة، وبمناسبة ذهابه كلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهمة عند وكيل رسول الله في خيبر، فقال: (إذا أتيت وكيلي في خيبر فخذ منه خمسة عشر وسقاً) ، وهذا محل الشاهد: (إذا أتيت وكيلي في خيبر) ، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له وكيل سواء كان في خيبر أو في الطائف أو في أي مكان.