قال المصنف رحمه الله: [وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: (اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر) الحديث رواه النسائي] .
يسوق المؤلف رحمه الله هذا الحديث من أجل قوله: (اشتركت) ، إذاً: كما أنه صلى الله عليه وسلم كان له شريك قبل البعثة، فكذلك استمرت الشراكة في الإسلام؛ لأن شراكة الرسول صلى الله عليه وسلم مع السائب كانت قبل البعثة، والإسلام أقرها، فيأتي المؤلف بهذا الحديث: (اشتركت أنا وسعد وعمار) ، ولم يتم الحديث؛ لأنه ما له غرض في تمام الحديث، والمطلوب من إيراد هذا الحديث إثبات الشراكة بعد الإسلام في بدر.
إذاً: الشراكة كانت موجودة قبل البعثة، وأقرها الإسلام، والشراكة استمرت بعد مجيء الإسلام وأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: (اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر) ، هل كان في يوم بدر بيع وشراء أو كان فيه قتال؟ كان فيه قتال، وجميع البدريين الذين اشتركوا في المعركة ثلاثمائة وأربعة عشر، ولكن اشترك هؤلاء الثلاثة فيما يحصلون عليه من الغنائم، وما ينتابهم من الفائدة، فصار الثلاثة شركاء فيما يأتي به واحد منهم، وما أتى به اثنان يرجع للثلاثة، فأصبحوا هم الثلاثة كشخص واحد، قال: فأتى سعد بأسيرين، ولم آت أنا وعمار بشيء، فهم ثلاثة اشتركوا، فواحد أتى بأسيرين، واثنان من الشركاء ما أتوا بشيء، فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة: أن الثلاثة صاروا شركاء في الأسيرين؛ لأن في المرة الثانية قد يأتي الآخر بثلاثة أسرى، وفي المرة الثالثة يأتي آخر بأربعة أو خمسة أسرى، فما دام تم عقد الشراكة بينهم، فما يأتي من أحدهم فهو شركة بين مجموعهم، سواء كان قليلاً أو كثيراً.
وهل اشتراك هؤلاء الثلاثة فيها رأس مال؟ ليس فيها، وتقدم معنا أنواع الشراكة الخمسة، وهذ هي شراكة الأبدان، وهذا يسوقه المؤلف هنا ليبين الدليل على صحة شراكة الأبدان؛ لأن الشافعي رحمه الله يمنعها، ويقول: هؤلاء أشخاص يعملون بأبدانهم، فمن عمل شيئاً فلنفسه هو، ولماذا يشاركه غيره في عمله؟ هو اكتسب وبذل جهداً فلماذا يعطيهم من غير مقابل؟ ولماذا يأخذون ماله بغير حق؟ فـ الشافعي رحمه الله غلب جانب العمومات، ولكن لا اجتهاد مع النص، وهذا يسميه الأصوليون: فساد الاعتبار، فهنا ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا اليوم الأغر يشتركون شراكة أبدان، وسبحان الله ما جاء كل واحد بأسير حتى نقول: كانوا متساويين، بل أحدهم أتى بأسيرين، والآخران ما أتوا بشيء، ونحن قدمنا في شركة الأبدان عن الفقهاء أنه لو أن أحد الشركاء قصر في العمل، وغاب عن المشاركة معهم بعذر، فله نصيبه فيما اكتسبه الآخرون، فإن الشركاء رضوا بغيابه، فإذا لم يرضوا وطلبوا منه إقامة بديل عنه وجب عليه أن يأتي ببديل مكانه، فإذا لم يأت ببديل ولم يرضوا بغيابه فلهم أن يفسخوا شراكته معهم، ويخرج من الشراكة، وليس في هذا مضرة على أحد.