يوجد الآن بعض المعاملات فيها غرر، فمثلاً نسمع في مجال المواصلات (التكسيات) شركة ليموزين، تشترط على السائق شروطاً، وتعطيه السيارة بشرط أن يأتي في اليوم بكذا، والزائد له، فهذا شرط فيه غرر، وفيه مضرة، فهل يضمن أن يأتي بهذا المبلغ؟ ليس مضموناً عنده، فيكون هذا تكليف بغير المطاق.
وكذلك إنسان يعطي إنساناً فندقاً، يهيئه بكل شيء، ويقول: أسلمك إياه لتشغِّله، وتسلمني في كل شهر كذا، والزائد لك.
هذا أيضاً غرر، لا تدري هل يحصل هذا الشيء أم لا؟! فهناك شروط فيها غرر ومضرة.
وفي معارض السيارات يقول البائع: أبيعك السيارة هذه أمامك، وإذا وجدتَ فيها أي عيب فلا تُرَد، كيف لا تُرَد بالعيب؟ هذا شرط حرَّم حلالاً؛ لأن الحلال أنه إذا وجد في السيارة عيباً فإنه يردها بالعيب أو يأخذ أرش عيبها.
وقد يضللون ويقول البائع: أبيعك كومة حديد، أو سكراً في ماء، أو ملحاً في ماء، ويموِّهون أنه لا شيء فيها، ويقطعون على المشتري طريق النظر في العيب حتى لا يردها بعيبها، أو يأخذ أرش العيب.
فكل هذه من الشروط الفاسدة، ولو لم يكن الشرط يحرِّم حلالاً أو يحلِّل حراماً، والله تعالى أعلم.
ومما ينبغي التنبيه عليه -يا إخوان- أن الحديث لم يقل: الناس على شروطهم؛ ولكن قال: (والمسلمون على شروطهم) ، وفي الرواية الأخرى: (المؤمنون على شروطهم) ، ومعنى هذا أن صفة الإيمان وصفة الإسلام يجب أن تكون مميزة للمسلم والمؤمن على غيره، فإذا تعامل مسلم مع غير مسلم، فهل كون العميل غير مسلم يجوز له أن يخفر ذمته وأن تخفر شرطه؟ لا يجوز، ومن أغرب ما سمعت في الوفاء بالكلمة، وهي أحق بالمسلمين آلاف المرات، أن شخصاً من أهل جدة معروف بالتجارة، وقبل الحرب العالمية تعاقد مع شركة في صفقة حديد، فقامت الحرب العالمية الأخيرة، وتوقفت السفن عن التجارة بسبب الغواصات والألغام وو إلخ، وانقطعت الأخبار بين المستورد الذي من جدة وبين البائع الذي في إيطاليا أو ألمانيا.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، وفتحت الطرق المائية والبرية والجوية إلخ، جاءه إشعار من الشركة التي عقد معها الصفقة: إن الحديد الذي اشتريتَه وتعذَّر إرساله إليك باقٍ عندنا، والآن بعد الحرب قد أصبحت قيمته كذا -بعدة أضعاف من القيمة التي اشترى بها- وأنت بالخيار، هل نرسل إليك الصفقة أو نبيعها ونرسل إليك القيمة الجديدة؟ بعد الحرب وبعد اليأس وبعد انقطاع الأمل، يعرضون عليه هذا!! لو أنهم قالوا: قيمة صفقتك موجودة لكان خيراً منهم؛ لكن يزيد السعر وتتضاعف القيمة ويربح أضعاف الثمن ولا يطمعون فيها، بل يقولون: أنت بالخيار: نرسلها إليك أو نبيعها بالثمن الجديد المضاعَف ربحه ونبعث لك بالقيمة!! هذا يدل على الأمانة.
فهم يحسنون التعامل لأجل الدنيا، فهذا الشخص ومن يسمع بتلك المعاملة هل يستبدل عنهم غيرهم؟ لا، بل الكل يسعى إلى أن يتعامل معهم لأنهم أهل صدق ووفاء، والمسلمون أحق بهذا من باب أولى.
وعلى هذا: ينبغي على المسلم أو المؤمن أن يفي بالشروط، وكما يقولون: الوصف مُشْعِرٌ بالعلة، كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة:38] : فحَدَثُ السرقة علة في القطع، وهنا قوله: (المؤمنون على ... ) : وَصْفُ الإيمان علة في أن يفي المؤمن بشرطه.
فينبغي على المؤمن أن يعلو بإيمانه على غيره، وألَّا يخفر الشرط مع غيره ولو كان غير مسلم؛ لأن الوفاء من جانب المؤمن علوٌّ واستعلاءٌ بإيمانه عن أن ينحطَّ إلى درجة من يخفر الذمة.