بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: قال المصنف رحمه الله: [وعن عمرو بن عوف المزني رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً حرَّم حلالاً أو أحلَّ حراماً، والمسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرَّم حلالاً أو أحلَّ حراماً) .
رواه الترمذي وصححه، وأنكروا عليه؛ لأن راويه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ضعيف، وكأنه اعتبره بكثرة طرقه، وقد صححه ابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه] .
الصلح جائز، وجاءت النصوص في كتاب الله تحث على الإصلاح في المجتمع، والإصلاح أنواع: فهناك الإصلاح بين الزوجين.
وهناك الإصلاح بين الطائفتين.
وهناك الإصلاح بين الفريقين أيَّاً كانا.
إذاً: الصلح جائز، ومُرَغَّب فيه، ومندوب إليه.
وكذلك الشرط، كما جاء في حديث بريرة: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ، إذاً: الشرط صحيح.
وإذا كان الشرط أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً فهذا معلوم من الدين بالضرورة أنه يكون شرطاً فاسداً، وسيأتي التنبيه عليه إن شاء الله.
وضعف الحديث تجبره شواهد الكتاب أو السنة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (جائز) يعني: ليس بلازم حتماً، فمن لم يرضَ بالصلح في بادئ الأمر فلا نلزمه به.
والصلح مبناه على التنازل، مثلاً إنسان له على إنسان ألف ريال، فجاء وقال: أصالحك على تسعمائة ريال، وأتنازل لك عن مائة ريال، فهذا صلح في هذا الدين.
ويقول الفقهاء: الصلح نوعان: الصلح على إقرار، والصلح على إنكار، ففي هذا المثال صلحٌ على إقرار؛ لأنه مقر بالألف، ويقولون: إن كان موضوع الصلح من جنس المصالَح به فلا ينبغي أن يكون بلفظ الصلح، خاصةً إذا كان ربوياً، فألف ريال بتسعمائة هذه ربا، ولهذا يقولون: ينبغي في هذه الصورة أن يقول: أبرأتك من مائة ريال، وأعطني تسعمائة، فيكون هذا إبراء من الدائن، أو يقول المدين: هب لي من دينك مائة ريال، فيكون في هذه الحالة التخفيض والتقليل من الدين بلفظ الهبة أو الإبراء، يقول الدائن: أبرأتك من مائة ريال، أو وهبت لك مائة ريال من الدين، وأعطني الباقي.
فلا مانع من ذلك؛ لكن أن يقول: (صالحتك) يقولون: هذا لا يجوز؛ لأنه يكون من صورة الربا أقرب منه من صورة الهبة والعطية.
إذاً: المسألة مسألة لفظ، ومسألة اعتبار، لأن الصلح يكون في معنى البيع.
أما إذا كان المصالَح به من غير جنس المصالَح عليه مثلاً: له عليه إرْدَبٌّ من التمر، فتعذَّر تقديم الإرْدَبِّ من التمر، فنقوِّمه؛ لأنه إذا تعذَّر عين الدين تعيَّنت القيمة، فإذا كانت قيمة إرْدَبِّ التمر بألف، فقال: أنا أتنازل لك من الألف بمائة.
فلا مانع من ذلك.
أو يقول: أصالحك على الدين الذي في ذمتك من التمر بتسعمائة أو بمائتين أو بخمسمائة؛ لأن المصالَح به نقد، والمصالَح عليه تمر، فاختلف الدين مع عين الصلح، فلا مانع من ذلك.