إذا كان عند المفلس عبيد وأعتقهم، فما حكم العتق؟ الشارع يتشوف إلى عتق الرقاب، وقد يكون العتق إجبارياً على صاحبه، فمن أعتق شقصاًَ له في عبد، وكان عنده وفاء، عتق عليه العبد كله، وألزم بدفع حصة للشريك، ويصبح العبد حراً كله بالإجبار، بل قد يلزم العتق بأوهى الأسباب، كما في حديث الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! إن لي جارية ترى الغنم، وجاء الذئب فأخذ منها شاة، وأنا بشر فغضبت فلطمتها، ثم تأسفت، أفأعتقها؟ قال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: اعتقها فإنها مؤمنة) واللطمة التي لطمها لا يكفرها إلا أن تعتق! انظر إلى هذا الحد! والإخوة طلبة العلم قد يقرءون في بعض الدوريات: الانتقاد على الإسلام باسترقاق الأحرار، ويذكرون كلمة عمر: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!) ، ويقولون: الإسلام هو الذي ابتدع الرق، وهذه فرية، والذي يصغي إليها جاهل، فالرق كان موجوداً قبل الإسلام، والإسلام غاير جميع النظم في مبدأ الرق، في إيجاده وفي تصفيته، أما إيجاده فلا رق في الإسلام؛ إلا من أخذ أسيراً في أرض معركة بين المسلمين والكفار، وما عدا ذلك فليس هناك رق، فإذا ثبت عليه الرق انسحب عليه وعلى ذريته.
وفي الوقت الذي شرع الرق؛ فالأبواب متعددة لإخراج الرقيق من رقه إلى سعة الحرية، فجعل في الكفارات اعتاق رقبة، مثل كفارة من جامع في نهار رمضان أو أكل أو شرب متعمداً عند مالك، وبم تكون الكفارة؟ تبدأ بعتق رقبة، ثم صوم شهرين، ثم إطعام ستين مسكيناً.
وإذا ظاهر أحد من زوجه فما الذي يفك عنه هذا الظهار؟ عتق رقبة، أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً.
ومن حلف يميناً وأراد أن يكفر عنها فكفارته العتق أو الإطعام أو الكسوة، وليس هناك ترتيب كما في غيرها.
وإذا أراد أن يتبرر ويعتق نفسه من النار أعتق رقبة كما في الحديث: (من أعتق رقبة أعتقه الله بها من النار، كل عضو بعضو منه، حتى البضع بالبضع) ، أي: والرأس بالرأس، واليد باليد، والرجل بالرجل، والبضع بالبضع، فيعتقه لوجه الله فيكون فكاكه من النار.
وإذا أساء إلى العبد أدنى إساءة بأن لطمة فليس لها كفارة إلا عتقه.
بينما نجد الذين يعيبون على الإسلام الرق يوسعون أبواب استرقاق الأحرار، ويضيقون باب إخراجهم عن ربقة الرق إلى الحرية، فتجدون في قوانينهم: إذا كان السيد مديناً بيع وصار عبداً، وإذا أفشى سر الدولة، أو أطلع على نقطة ضعف في الجيش أو إذا نظر إلى زوجة سيده بنظرة غير عادية، وغير ذلك؛ فإنها تستوجب استرقاق الحر، فوسعوا دائرة الإدخال، ومتى يتحرر الرقيق عندهم؟ لا يحق عندهم للسيد أن يحرر عبده إلا بإذن من الدولة؛ لأن تحرير العبيد يجعل ارتباك في الإنتاج والاقتصاد؛ لأن العبيد تقوم عليهم عملية الإنتاج، بينما الإسلام يعطي للإنسان الحرية في أن يعتق ما شاء.
وعلى هذا: لو أعتق المفلس عبيداً له، والشرع يتشوف إلى حرية أو تحرير العبيد، فهل يمضي عتقه أو لا يمضي؟ قالوا: لا يمضي عتقه بعد أن أعلن إفلاسه أو أعتقهم هروباً من سداد الديون التي عليه، وقد رد (النبي صلى الله عليه وسلم العتق على المدين الذي أعتق ستة أعبد عن دبر ليس له مال غيرهم، وباعهم وسدد دينه) .
إذاً: من حجر عليه لا يتصرف في ماله بما يضر الغرماء.
ومسألة البيع يتولى أمرها الحاكم، فيبيع ماله ثم يوفي الغرماء من هذا المبيع بحسب حصصهم من الدين، فالنبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ، وباع ما يملك، وقسمه على الغرماء، وقال لهم: (ليس لكم إلا ذلك) ، وباقي الدين يكون في الذمة وليس لهم أي مطالبة الآن، فيتركونه إلى ميسرة.
ثم بعث صلى الله عيه وسلم معاذاً إلى اليمن قاضياً ومعلماً ومرشداً وجابياً للزكاة، ولعله أن يصيب من عمالته شيئاً، وأباح له النبي صلى الله عليه وسلم الهدية على غير العادة، وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه: الهدية كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فعلاً مقبولة، ولكنها للعمال رشوة، وذلك لأن معاذاً رضي الله تعالى عنه من ورعه، ومن معرفته، ومن زهده لن يقبل الهدية التي هي رشوة؛ لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: (أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل) ، إذاً: لن يأخذ هدية تؤدي إلى حرام، والله تعالى أعلم.