هناك من يقول: تحريك الرهن المتحرك قد يكون واجباً وقد يمتنع، إذا كانت السيارة مرهونة عندك وأنت لا تستعملها، ومدة الدين ستة أشهر، هل تظل السيارة واقفة في محلها ستة أشهر أم أنه ينبغي عليك ما بين فترة وأخرى أن تشغلها وتحركها بما يمنع مفسدتها؟ لأن طول مدة وقوفها قد تؤدي إلى الإضرار بها.
إذاً: لابد من الحركة لمصلحتها لا لمصلحتك أنت، كذلك إذا رهن عنده فرساً أو بعيراً في غنى عنه، لكن طول مكثه في مكانه الزمن الطويل قد يؤذيه، ولابد أن تحركه، سواء راكباً أو قاعداً، على ما فيه مصلحته، لكن إذا كانت لك حاجة في هذا الرهن؛ بأن تقضي حاجتك عليه، وهذا يتطلب منك نفقة؛ نأتي أولاً للراهن: أنت يا صاحب البعير، هل تتعهد بالنفقة لرهنك عند المرتهن أم أنك تتركه وتذهب؟ فإن تعهد بنفقته فلا يحق للمرتهن أن يركبه لمصلحته، لكن يمشيه لمصلحة البعير، أما إن كان الراهن ترك البعير عند المرتهن، ثم سافر، أو لم يرجع؛ هنا البعير يحتاج إلى نفقة، وإذا تركناه تلف، وهو أمانة في يد المرتهن، ماذا يفعل؟ يقول العلماء هنا: إذا كان في البلدة حاكم يعرض الأمر عليه: هذا رهن في يدي، وصاحبه تركه لي، ويحتاج إلى نفقة، وليس هناك من ينفق عليه، فيستأذن الحاكم في ركوبه بنفقته، وقيل: بدون إذن الحاكم، أنفق على البعير أو على الرهن بنية الرجوع على صاحبه، وإذا جاء صاحبه رجع عليه، أما إذا أنفق بدون نية الرجوع، على أنه متبرع، ويريد أن يخرج من عهدة حبس الحيوان وتجويعه وتعطيشه، فإن أنفق متبرعاً فلا يرجع؛ لأن: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) ، وإذا أنفق بنية أن يرجع على صاحبه فله الحق في الرجوع، فإذا كان البعير صالحاً للركوب وهو في حاجة إليه، ننظر كم علف البعير في اليوم؟ إن قدرناه بعشرة ريالات، فبكم سيركب البعير في حاجته المتقطعة، بما يساوي خمسة، وعلى هذا يحسب متوسط هذا المجموع فيما يحصل له من فائدة ركوب البعير، فإذا كان ما يحصل عليه من ركوب البعير في مصلحته يتساوى مع الإنفاق عليه، فقد انتهت المسألة، أما إذا كان ما ينفقه على البعير أكثر مما يحصل عليه من مصلحة البعير، فيحتسب ويرجع بالباقي على صاحبه، وإن كان ما يحصل عليه أكثر من نفقته فلا مانع من ذلك، ويحتفظ بالزائد لصاحب البعير، ويخصمه من الدين الذي هو عليه عند الوفاء، هكذا الارتفاق والانتفاع بالرهن.
أما أن ينتفع به لمصلحته، ولا يحسب ذلك على صاحبه؛ فهذا هو النفع الذي جاء بسبب القرض وأنه هو ربا.
كذلك لو رهن عنده شاة أو بقرة فيها حليب تريد أن تأكل وتعطي حليباً، فإن تركناها دون حلبها تضررت، وإن منعنا الأكل عنها تلفت، إذاً: لابد من مراعاة المصلحة، وكما يحافظ عليها في نفقتها وسقيها يحافظ عليها أيضاً فيما تحتاجه؛ من محل مبيتها، وربطها، وتمشيتها في بعض الأحيان حتى لا تتألم أرجلها أو شيء من هذا، ثم عليه أن يعرف: كم تعطي حليباً؟ وكم تأخذ نفقة في اليوم؟ وإذا نظرنا بالمقاصة: وجدنا أنها تعطي حليباً بخمسة عشر، وتأخذ نفقة بعشرة، حينها له على صاحبها كل يوم خمسة، فإذا جاء الأجل وجاء المدين بالدين خصم من مجموع الدين مجموع الأموال التي توافرت عنده على مدار الأيام من قيمة حليبها؛ لأنه حق لصاحبها.
إذاً: الرهن لا ينتفع به أبداً لمصلحة المرتهن إلا إذا حسب ذلك من الدين الذي له، فإذا كان الرهن يعطي ويأخذ فتحصل هناك المقاصة، وإن كان يوجد حاكم استأذنه وقدر له النفقة، وإن لم يوجد عمل ذلك لمصلحة الرهن، ثم تحاصى مع صاحبه عند الوفاء، والله تعالى أعلم.