قال رحمه الله: [وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع الذي باعها إلا أن يشترط المبتاع) ، متفق عليه] .
هذا تابع لبيع الثمرة والأصول: إذا اشترى إنسان بستاناً، والبستان قد أُبر نخله، والتأبير وضع الوبار، وهو دقيق طلع فحل النخل في إناثها، وهذه الطريقة خاصة بالنخل، ولذا قالوا: إن أميز أنواع النباتات هي النخلة، كما قالوا: إن أميز أنواع الحيوانات الخيل، فالنخلة متميزة عن بقية الأشجار بصفات هي أقرب إلى صفات الإنسان، وأرقى أنواع النباتات النخلة؛ لما فيها من الشبه بالإنسان، في حياتها إذا جززت الرأس ماتت، وجميع الأشجار تقطع أغصانها يميناً وشمالاً، وتنبت وتعود إلى ما كانت عليه إلا النخلة، إذا جززت رأس النخلة ماتت، وكذلك ما يقال في أن النخلة ليست لها أغصان في وسطها كشجرة الرمان والتوت وغيرها، بل ساق واحد كالإنسان وعمود واحد، وكذلك قالوا: جميع أجزائها يستفاد منها، ولا يلقى منها شيء، وكذلك الإنسان مفيد للمجتمع بكليته: بعينه، بأذنه، بلسانه، بيده، برجله.
كل ذلك يفيد الأمة، فكذلك النخلة: في ورقها، في جريدها، في ثمارها، في نوى ثمرها، في جذوعها، في كرانيفها.
كل ذلك يستفاد منه ولا يتلف منه شيء.
ثم قالوا أيضاً في هذه العملية -عملية التلقيح وعدم التلقيح-: الإنسان لابد في تلقيحه من لقاء الذكر بالأنثى، فيكون هناك التلقيح كما يقال له فعلاً، ويكون هناك الولد بين الذكر والأنثى، فكذلك ثمرة النخلة لابد من تأبير وبار الذكر أو فحل النخل بطلع الأنثى، يعني تلقيحها متميز ذكر وأنثى، بخلاف بقية الأشجار، سواء كانت الحمضيات من ليمون وبرتقال وأترج وسوى ذلك أو العنب أو التين أو الرمان.
جميع الفواكه فإن فيها أيضاً تأبير -فيها تلقيح- ولكن ليس هناك نوع من شجر العنب، ولا التين ولا البرتقال هذا ذكر وهذه أنثى، الكل منتج، والكل مثمر، ولابد للثمرة من لقاح.
كيف تلقح تلك الأشجار؟ أما النخلة فقد عرفنا بأن الإنسان يأتي ويأخذ أبار الفحل ويضعه في طلع الأنثى، وبقية الأشجار من الذي يلقحها؟ بين الله سبحانه ذلك فقال: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر:22] ، يقولون: إن الشجرة بذاتها تكون فيها أزهار ملقحة، وأزهار تتلقح، فالشجرة الواحدة من كل صنف تحمل النوعين: زهور فيها لقاح ولا تثمر، وزهور تأخذ اللقاح وتثمر، ما الذي ينقل اللقاح من تلك الزهور الملقحة إلى تلك الزهور المتلقحة؟ الرياح، تمر بالشجرة فتأخذ من لقاح زهرة التلقيح وتمر على الزهور الأخرى فتعلق بها لواقح الزهور الملقحة فتلقحها بإذن الله.
وعلماء الزراعة يقولون: أيضاً الفراش والنحل وبعض الحيوانات أو الحشرات تساعد في التلقيح، فالنحلة: تنزل على هذه الزهرة -وهي زهرة لقاح- لتمتص منها، فيعلق بأرجلها نوع من اللقاح، فتنتقل إلى زهرة أخرى لتأخذ منها وجبة غذائها، ويسقط ما علق بأرجلها في تلك الزهرة الأخرى فتتلقح بذلك.
ويقول أيضاً علماء الزراعة: جميع الحبوب لها لقاح، وإذا لم يأتها اللقاح فلا تجد فيها الحبوب، وربما بعض الفلاحين يعرف أن في المزرعة كاملة بعض السنابل على هيئة الدخان، أو هيئة القطن المحروق، والسنبلة الطبيعية لها -كما يقال- السَفَاة، الإبر الصغيرة الممتدة إلى أعلى، وإذا مررت عليها بإصبعك وجدتها كالمنشار مسننة، تلك الفجوات الصغيرة في تلك السفاة الطويلة هي أنابيب ونوافذ تتلقى بها اللقاح الندى، ويدخل من خلالها إلى الحبة عند أول ظهورها في السنبلة، فهناك تلقح وتمشي في نموها، ثم تصير لبناً، ثم تعقد، ثم تكون حبة، فإذا مرت الرياح على تلك السنابل الملقحة لقحتها، وهي نادرة؛ لأن الواحدة تلقح آلاف الأفدنة.
إذاً يهمنا في هذا: أن النخل له طبيعة في التأبير، فإذا أبرت النخلة بدأت في النمو، وبدأت في مسيرتها إلى النضج، من الذي وضع أساس النضج في النخلة: المشتري أم البائع؟ البائع هو الذي أبر، إذاً: مسيرة نمو الثمرة ووصولها إلى النضج من عمل البائع، لذا فهي من حقه.