قوله: (أمر بوضع الجوائح) ، يعني: وضع قيمتها، والجوائح تكون على حالات نسبية، قد تجتاح الجائحة جميع الثمرة، ولا يبق منها ما يصلح، وقد تجتاح البعض، وحينما تجتاح الجميع فلا خلاف أن هذا الحديث موضوعها، أما إذا اجتاحت البعض والبعض قليل؛ فإن هذه تجري بها العادة بأن تهب رياح، أو أن يأتي مطر نوعاً ما فيسقط بعض الثمرة أو يتلفها، فإذا كان الاجتياح لشيء قليل فلا وضع، ولا يرجع المشتري على البائع بشيء؛ لأن ذلك في حدود المعتاد.
وما حد القليل من الكثير؟ يقدره البعض بالثلث، إذا وقعت الجائحة على ثلث الثمرة وضعت من قيمتها عند البائع، باع البستان بألف، وجاءت الجائحة وأتلفت ثلث الثمرة؛ فالبائع يرد ثلث ثمن الثمرة للمشتري، أما إذا كان المتلف أقل من ذلك فهذا يغتفر ويتسامح فيه؛ لأنه من عوارض البيع والشراء، ومن حالات البساتين والرياح وغير ذلك.
إذاً المبدأ الأساسي: ضمان البيع والشراء، وأن عهدة المبيع في ذمة البائع حتى يستوفيه المشتري، وتقدم لنا نظير ذلك: لو أن إنساناً اشترى من آخر مائة كيس من الحب، ودفع الثمن، ولم يستلم ذلك، ولم تزل تلك الأكياس في مستودع البائع، فتلفت الأكياس في مستودع البائع، فتكون من ضمان البائع؛ لأن المشتري لم يستلم السلعة من المبيع؛ فهي في عهدة البائع حتى يستلمها المشتري، فكذلك هنا النخيل بمثابة الأكياس في المستودع؛ فلما ضمن الشرع للبائع ما تلف في مستودعه كذلك ضمنه ما تلف على أشجاره، ثم أمر بوضع الجوائح -وهي ما يجتاح الثمار- ولكن تفصيل بعض العلماء: إذا كانت الجائحة اجتاحت الجميع فعلى هذا النص، وإذا كانت اجتاحت قليلة فهذا مما يتسامح فيه، والحد بين القلة والكثرة هو الثلث، والله تعالى أعلم.