قوله: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيع غلامين) يقولون: إن تدرج السن: من رضيع، إلى فطيم، إلى غلام، إلى شاب، فالرضيع معروف، والفطيم: هو من كان على وشك الفطامة، أو قد فُطِم، والشاب: ما بين أوائل التمييز إلى البلوغ، وبعضهم يقول: الغلام لغة: يطلق على الرجل الوافي، كما قيل في الحجاج بن يوسف: إذا هبط الحجاج أرضاً مريضة تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها فهو رجل مقاتل، والعادة أن الغلام والجارية يطلقان على من كان دون البلوغ، وقد يطلق على ما بعده، أما في عُرف اللغة فيطلق على من بلغ إلى سن الثلاثين، وهو الشاب فقوله: (أمرني أن أبيع غلامين) أي: صغيرين، لا يوجد لهما أم ولا أب، ولكن الأخوة.
وقوله: (فبعتهما وفرقت بينهما) فواحد ذهب إلى الشرق، وواحد ذهب إلى الغرب، وكل واحد مع الزبون الذي اشتراه.
وقوله:: (فجئت فأخبرت رسول الله على ما وقع مني) لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يبيع، والبيع مطلق، وليس فيه تفصيل للاجتماع أو الافتراق، فلما وقع ما وقع من علي بالتفريق بينهما، وهو زائد عن ماهية البيع، بل الذي يفهم من قوله: (أمرني أن أبيع غلامين) أي: بيعة واحدة، فالمتبادر إلى الذهن أن هذه الصيغة تدل على أن يبيعهما بيعة واحدة، أي: دون تفريق، ولكن اللفظ عام، فـ علي رضي الله تعالى عنه نظر إلى ماهية البيع دون قيد، فباع هذا هنا، وباع هذا هناك، فجاء وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل، وكأنه أوجس في نفسه أن الأمر ببيعهما لم يتناول التفريق.
فقال صلى الله عليه وسلم: (أدركهما) وكلمة (أدركهما) ، وكأنه خاف الفوت، تقول: فلان أدرك الصلاة، أي: على آخر لحظة فلان أدرك الفائت، فلان أدرك من سبقه، وفلان أدرك السارق، وذلك إذا سرق شيئاً ثم فرَّ به فجريت وراءه، وأمسكت به، فلا تقل: لحقته، وقل: أدركته، لأن الدرك الظفر، و (أدركهما) صيغة تدل على التشديد، والحرص في اللحاق بهما.