بيع السلعة بثمن واستيفاؤه بثمن آخر: صورته وحكمه

فيقول: كنت أبيع الإبل، يقولون: إن سوق الإبل كان عند بقيع الغرقد، والبقيع الآن معروف مكانه، وفي أي موضع من مواضع البقيع؟! لا يهمنا هذا، فكان يتاجر، ويبيع ويشتري في الإبل، إذاً: هناك من يتاجر في الإبل، وهناك من يتاجر في الغنم، وهناك من يتاجر في الأطعمة، وفي الألبسة، وكل على حسب اتجاهه ومعرفته، وسؤاله رضي الله تعالى عنه: إني أبيع هذا البعير بألف درهم، ويقول في بعض الروايات: (فأذهب مع المشتري لينقدني الثمن، فلم يجد دراهم، ويجد دنانير، فآخذ الدنانير عوضاً عن الدراهم) إذاً: أنا بعت بشيء، وقبضت شيئاً آخر، فهل يجوز هذا؟ فأفتاه صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها) ، فإذا بعت البعير بألف درهم، والمشتري يريد أن يقدم لك دنانير، فكم سعر الدينار بالدرهم؟ الدينار أخذ أسعاراً متفاوته، أقل ما وصل إليه في الصرف ثمانية دراهم، وأعلى ما وصل إليه في الصرف اثنا عشر درهماً، واستقر الأمر بعد ذلك في زمن عمر رضي الله تعالى عنه على عشرة دراهم، ونحن نجد المقارنة في باب الزكاة، فنصاب الذهب عشرون مثقالاً، وقد قلنا: المثقال والدينار شيء واحد، ونصاب الفضة مائتان درهم، إذاً: الدينار عادل عشرة دراهم، إذاً: صرف الدينار يساوي عشرة دراهم.

فإذا بعت البعير بألف درهم، وجئت معه إلى البيت ليعطيك دنانير بدل الدراهم، فهل تأخذها بسعر يومها، أم بسعر أمس، أم بسعر جديد غير موجود الآن وإنما هو متوقع فيما بعد؟ خذها بسعر يومها؛ لأنك تصارف الدراهم إلى دنانير، والصرف يجب أن يكون بسعر يومه.

قال: (ما لم تفترقا وبينكما شيء) ، فإذا بعته بألف، والألف الدرهم إذا قسمناها على عشرة -والعشرة الدراهم تساوي ديناراً واحداً- فإن فيها مائة دينار، فقال: أنا عندي تسعة وتسعون ديناراً، وسيبقى لك دينار واحد إلى الغد إن شاء الله، أو إلى بعد ساعة، فإن هذا لا يجوز، ولكن يجب أن تأخذها كاملة، سواء كنت ستأخذ الدنانير عن الدراهم، أو تأخذ الدراهم عن الدنانير، فمثلاً: بعته بعشرة دنانير وجئت إلى البيت، وقال: ما عندي دنانير، عندي دراهم، فليس هناك مانع، ولكن بسعر يومها، الدينار بعشرة دراهم، وهذه عشرة في عشرة يساوي مائة، فإن أعطاه إياها كاملة فبها ونعمت، أما أن يعطيه الدراهم ناقصة، ولو بدرهم واحد، فهذا ممنوع؛ لأن الصرف يجب فيه التقابض والتسليم في مجلس العقد، ولا يجوز فيه التأجيل؛ لأن أصل الصرف بيع، وإن غلب عليه اسم الصرف، فأنت تبيع الذهب بالفضة، والفضة بالذهب، ولكن غلب عليه اسم الصرف لأن تعامل الصراف إنما يكون بالعملة، ولكثرة تحريكه لها يكون لها صريف، أي: صوت -كأنه دعاية وإعلان- فلما غلبت هذه الحركة سمي صرفاً؛ لصريف الدراهم في حركة الصراف، فإذا أعطيته ديناراً ليصرفه لك دراهم، والدينار بعشرة، وقال لك: خذ هذه التسعة، وبعد ساعة ارجع وأعطيك العاشر، فلا يجوز ذلك؛ لأنه قد يتغير السعر، وهذا خاص بالذهب والفضة وجميع أنواع العملة، وأما بقية السلع فلا تدخل في هذا، فلو اشترى طعاماً أو نحوه، ودفع جزءاً من المال وبقي على جزء إلى أجل، فلا بأس في هذا.

ومعلوم موضوع البورصة، فتجد الشخص يعلم عن ارتفاع العملة وعن نزولها في الدقيقة، وبعض الأشخاص تراه جالساً على التلفون مع البنك، كم سعر الآنصة اليوم، الآن بكذا، فيقول: لي احجز بكذا، بع لي، وهو عمل فيه مقامرة، وربا، ولا يجوز؛ لأنه بيع وشراء بدون استلام وبدون قبض، فهو بيع في الهواء، وهذا هو عمل البورصات وبهذه الطريقة فهو ربا محض.

فهنا: إذا تصارفتما، أو تبادلتما، وأخذت الدراهم بدلاً عن الدنانير، والدنانير بدلاً عن الدراهم، فجائز بشرطين: الأول: أن تكون بسعر يومها.

الثاني: أن لا يبقى لك عنده شيء.

إذاً: هذا هو شرط الصرف، وهو خاص بالربويات، والذي يمهمنا في الثمن، فلو أنه استبدل نقداً بنقد، فيشترط أن يكون بسعر يومه، وأن يكون التقابض حالاً، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015