قال المصنف رحمه الله: [وعنه -أي ابن عمر - رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذا من هذه وأُعطي هذه من هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء) رواه الخمسة وصححه الحاكم] .
يذكر لنا ابن عمر رضي الله تعالى عنهما صورة مبيع واستيفاء الثمن مقاصة، فيقول: إني أبيع الإبل بالدنانير، وآخذ عنها الدراهم، والدنانير عملة ذهبية، وهو في العدد يسمى ديناراً، وفي الوزن يسمى مثقالاً، والدراهم عملة فضية، وهو في العدد وفي الوزن سواء، إلا أن الفقهاء ربما فرقوا وقالوا: وعشرة دراهم وزناً، عشرة دراهم عداً، وهذا حينما يختلف الضرب، وتحصل هناك زيادة ونقص.
وأصل الدنانير: عملة رومية، أو فارسية، وقد تعامل بها العرب على ما هي عليه، ولم يتغير وزن المثقال، لا في جاهلية ولا في إسلام، أما الدارهم فقد تغيرت، فكان هناك الدرهم الكبير، والدرهم الصغير، وفي زمن بني أمية جُمع الدرهم الكبير والدرهم الصغير وسبكا معاً فصارا درهمين، واتحدت الدراهم، وهذا من واجب ولي الأمر، فعليه أن يوحد العملة التي يتعامل بها الناس، حتى لا يقع خطأ أو غرر في المسمى.
وموضوعنا الآن في كونه يبيع بالدراهم، ويأخذ الدنانير، والعكس.
ومنطوق الحديث يبين أن عبد الله بن عمر كان يتعاطى البيع والشراء، وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين تاجر ومزارع، وهذه كما يقولون: وسائل الإنتاج والكسب، فالزراعة فيها كل البركة، وكان أكثر عمل الأنصار الزراعة، والتجارة كذلك، وهي تسع وتسعون بركة، والتاجر الصدوق مع الأنبياء والصديقين يوم القيامة.
ولا بأس أن الرجل الصالح، أو العالم، أو غيره يعمل في التجارة، ومعلوم أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله كان يتاجر في البز، أي: القماش، فقد كانوا يتكسبون لأنفسهم، وهذا نبي الله داود كان يصنع بيده الدروع، ويأكل من كسب يده، فـ ابن عمر رضي الله تعالى عنه كان يعمل، ويكتسب، ولا مانع من أن يشتغل طالب العلم بذلك، وحبذا طالب العلم التاجر؛ لأنه يستغني بذلك عن أن يتطلع إلى الناس، أو ينظر الناس إليه بعين الرحمة لفقره، ولأن تستغني عن الناس تكن أميراً في نفسك.