قال رحمه الله: [وعن جابر رضي الله عنه قال: (كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد، والنبي صلى الله عليه وسلم حي، لا يرى بذلك بأساً) رواه النسائي وابن ماجة والدارقطني، وصححه ابن حبان] .
المؤلف يأتي بالحديث هذا -حديث جابر - (كنا نبيع سرارينا -جمع سرية-: أمهات الأولاد) يعني: الذي نهى عمر عن بيعهن كنا نبيعهن زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ولا يرى بذلك بأساً) فكيف عمر رأى به بأساً؟! إذاً: المسألة متعارضة! قالوا: ليس عندنا من اليقين الذي يجعلنا نجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم ببيعهم سراريهم، ولم يثبت أن رجلاً جاء وقال: يا رسول الله! بعت سريتي -أم ولد-، وكونه موجوداً وفي عهده؛ مظنة لعلمه به، والمظنة غير اليقين، وكما قالوا: (كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهينا عنه) .
مع أن النهي قد جاء في صحيح مسلم والترمذي وغيره، وأنها الموءودة الصغرى: (أو تفعلون؟! ما من نفس منفوسة إلا وهي آتية، شاء أحدكم أم أبى) ، (ولو أن أحدكم ألقى الماء على حجر، وأراد الله أن يأتي بالولد لجاء) والرجل الذي جاء واستفسر الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن لي جارية، وأريد منها ما يريد الرجل من المرأة، وأخشى أن تحمل، أفأعزل؟ قال: اعزل أو لا تعزل ما قدر لها سيأتيها، وبعد سنة جاءه وقال: يا رسول الله! الجارية حملت، قال: الله أكبر! أنا عبد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لو أن أحدكم ألقى الماء على حجر وأراد الله منه الولد لجاء) ، والآن الطب يثبت هذا، فلو أراق الرجل الماء على حجر، وتجمرت به امرأة لنفذ الماء إلى الداخل وحملت، وهو شبيه بالتلقيح الصناعي، -الذي ملئوا به الدنيا صياحاً- فيؤخذ الماء من الرجل، ويوضع في رحم المرأة، وتتلقح بدون علاج، وبدون جماع، قالوا: كنا نعزل والوحي ينزل، فمن قال لكم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على هذا: فهذه أمور فرضية، وقد جاء النهي عن ذلك، وهنا كذلك، يقول: والرسول حي.
فالذين وافقوا عمر رضي الله تعالى عنه يقولون: ليس عندنا دليل قاطع بأن الرسول صلى الله عليه وسلم علم، وأقر، وسكت، وإنما لوجوده بين أظهرهم فمظنة ذلك أن يعلم بمثل هذه الصور.
وبعضهم يقول: الحديث الأول مرفوع، فيكون ناسخاً لهذا؛ لأن المنع مقدم، والمنع إنما يكون بعد الإباحة؛ لأن الإباحة على الأصل والبراءة الأصلية، فجاء المنع فنسخ البراءة الأصلية، فيكون المنع هو المقدم.