يقول المصنف رحمه الله: [وعن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كُسر، أو عَرِج، فقد حل، وعليه الحج من قابل.
قال عكرمة: فسألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا: صدق) رواه الخمسة وحسنه الترمذي] .
هذا الحديث يأتي به المؤلف رحمه الله ليبين أن الإحصار عام: (كسر أو عرج) العرج: يكون في الرجل، والكسر: يكون في محلات عديدة، وبعضهم يقول: إن الإحصار عام في أي مانع يمنع عن إكمال النسك، فلو أن رجلاً لدغته عقرب فهو محصر، وسواء لدغ بعقرب أو بعقربين فليس بمحصر ما دام حياً ولا يمنعه هذا من المضي في طريقه، فيرقي برقية العقرب ويمضي في طريقه، لكن يهمنا التنبيه على التوسع، وكما كان يفعل بعض السلف، وربما أفرط فيستدل بقوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] على الإفطار في نهار رمضان، فإذا قال: أصابعي تؤلمني! تقول: إن كانت أصابعك تؤلمك هل يبيح لك الفطر؟! لا، الفطر في البطن وليس في الأصابع.
إذاً: التطرف في مثل هذه المسائل، والتوسع فيها على غير أساس ليس له موجب مذموم.
فالمؤلف رحمه الله يرد بهذا الحديث على من يقول: لا إحصار إلا بعدو، والذي أحصر بالعدو يتحلل، والذي أحصر بغير العدو لا يتحلل حتى يذهب المانع، ويمضي إلى مكة، إن كان أحصر في عمرة أتم عمرته، إن كان أحصر في حج: ذهب وتحلل من حجه بعمرة، وعليه حج من عام قابل، وقوله: (عليه حج) هذه مطلقة سواء كان الحج الذي أحصر فيه نافلة أو فريضة، فالجمهور تمسكوا بظاهر هذا الحديث، وقالوا: عليه حج من عام قابل، وجاء عن ابن عباس ما فيه رد على هذا، قال: من تحلل للذة فعليه الحج من قابل، وعليه الهدي، ويقصد بهذا إذا كان حاجاً، لقوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] إذا وقع بينه وبين زوجه في الحج قبل الوقوف بعرفات فسد حجه لتلذذه، وعليه المضي في حجه هذا الفاسد، وعليه حج من عام قابل، سواء كان الذي أفسده فرضاً أو نفلاً؛ لأنه باختياره.
وهنا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول: إذا ما أحصر بغير لذة، وفاته الحج بغير قصد منه، فحينئذ لا يجب عليه إعادة الفريضة، إلا إذا كان الذي أحصر فيه هو حج الفرض؛ لأن بإحصاره لم يوقع الفرض المطلوب منه، فتكون الذمة لا زالت مشغولة بفريضة حجة الإسلام، فليأت بها.
والله تعالى أعلم.