هل الصلاة في المسجد النبوي في جميع أجزائه سواء أو تتفاوت؟ كثير من المؤلفين يأتي بحديث الروضة بجانب هذا الحديث، وفعل هذا البخاري ففي باب التهجد والنوافل ذكر فضل المدينة وفضل الصلاة في المسجد النبوي وذكر حديث الروضة، قال ابن حجر عند هذا: (لقد ساق البخاري هذا الحديث: (بألف صلاة) في كتاب التهجد والنوافل ليبين على أن (صلاة) تشمل النافلة والفريضة، وساق أيضاً في فضل الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم حديث الروضة وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) وهذه هي الرواية المشهورة، وقال ابن حجر: جاء عند ابن عساكر وحده) ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة) وهو باطل، ثم ذكر أنه عند البزار برجال ثقات ولفظه أيضاً: (ما بين قبري ومنبري) قال: وجاء عند الطبراني أيضاً ولفظه: (ما بين قبري ومنبري) قال: وهذا على سبيل التأويل، وعلى سبيل المقاربة؛ لأن بيته قد أصبح قبره، ويقول ابن حجر عند قول المؤلف: فضل الصلاة بين القبر والمنبر، وجاء بالحديث: (ما بين بيتي ومنبري) فقال ابن حجر بوب باسم القبر وساق حديث البيت ليبين أن رواية القبر صحيحة، ولأن القبر والبيت سواء، وسبق أن جرت مناقشة في هذا الموضوع وكانت النتيجة أن هذا من باب الإشعار والإيماء والتنبيه لذوي الألباب والنهى، قال ذلك في حياته؛ لأن بعض الناس يقول: كيف يقول: قبري وهو على قيد الحياة فإن هذا لا يمكن أبداً، وهنا الكلام على صحة الرواية، وإذا صحت الرواية في هذا الحديث فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: (ما بين قبري) وهو على قيد الحياة وقوله: (ما بين بيتي) يدل على أن البيت والقبر سواء.
إذاً: ينتبه بهذا من ينتبه إلى أن بيته سيصبح قبره، وأنه سيدفن في بيته ويقبر فيه، ولهذا لما التبس على الصحابة: أين يدفنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن قائل منهم: نرده إلى مكة، ومن قائل: ندفنه في مقابر المسلمين، ومن قائل: يدفن في بيته، فدخل عليهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما نقل نبي عن المكان الذي مات فيه، وما مات نبي إلا في المكان الذي يقبر فيه) ، فأزاحوا الفراش، وحفروا في المكان الذي مات فيه في حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها.
وقد جاءت أخبار عديدة حول هذا، وفي جعله في بيت عائشة حماية له لقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم! لا تجعل قبري وثناً يعبد) ولولا ذلك لأخرج قبره أي: خارج الحجرة، ولو أخرج لكان هناك ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم، فاستجاب الله له، وعصم قبره من أن يكون وثناً يعبد، وأصبح في بيت بعيد عن اللمس، بعيد عن أعمال غير مشروعة، وقد جاء أن عائشة رضي الله تعالى عنها لما تمت القبور الثلاثة كان الناس يأتون إليها في بيتها زيارة، ويأتون ويسلمون على الثلاثة، ويأخذون من تربة المكان.
فبنت جداراً على القبور الثلاثة، واقتصرت على الباقي من الحجرة سكناً لها، والموضوع ذو شعب، ويبقى قول: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة ... ) على العموم، ويأتي النظر في الصلاة في الروضة على ما جاء في فضلها في الرواية المشهورة: (ما بين بيتي ومنبري) أو: على الرواية الضعيفة: (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة) وإذا كانت روضة من رياض الجنة فهل تتميز فيها الصلاة عن غيرها من المسجد أو لا تتميز؟ صنيع البخاري يدل على أنها تتميز؛ لأنه ذكرها في عرض سياق فضل المسجد النبوي والصلاة فيه، إذاً: الروضة يكون لها مزية على بقية أجزاء المسجد، يضاف إلى ذلك كثرة صلاة وجلوس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وكثرة اجتماع وجلوس أصحابه رضي الله تعالى عنهم حوله فيها، وكثرة ما يكون من الأحاديث ومن الحكمة ومن الوحي الذي كان يتنزل فيها.
إلخ.