وقوله: (صلاة في مسجدي هذا) اختلف كلام العلماء في تحديد (مسجدي هذا) فيرى بعض العلماء أن كلمة (هذا) للتخصيص والتعيين؛ لأنه كما يقولون: (هذا) اسم إشارة يعين المسمى ويحدده، كما تقول: هذا الرجل فلا يتعدى إلى غيره، وكما تقول: هذا الكتاب فلا يتعدى إلى كتاب آخر، فهذا اسم يعين المسمى بالإشارة الحسية، فقالوا: الذي أشير إليه عند التحدث بهذا الحديث هو المسجد الذي كان موجوداً بالفعل عند التحدث بهذا الحديث، يعني: أن كلمة (هذا) أشارت إلى الحاضر، فما تجدد بعد ذلك فهل تشمله كلمة (هذا) التي وقعت في السابق أو لا تشمله؟ البعض كما تقدم يقول: لا تشمله، قال بذلك النووي وغيره، وأخذ بذلك المالكية، وبعض من وافقهم وقالوا: إن قوله: صلاة في مسجدي هذا) يراد به المسجد الذي كان موجوداً وأشير إليه بالإشارة الحسية (هذا) ، إذاً: ما طرأ من زيادات بعد كلمة (هذا) لا يدخل فيما أشير إليه من قبل؛ لأنه لم يكن موجوداً في ذلك الوقت، والجمهور على أن (مسجدي هذا) هو للتخصيص، ولا يمنع من دخول الزيادات؛ لأن الزيادات مهما طرأت لن تخرجها زيادتها عن كونها من مسجد رسول الله، ولكنه أراد بكلمة (هذا) تخصيص المسجد النبوي بالفضل دون بقية المساجد التي كانت موجودة في المدينة آنذاك، فكان هناك مسجد موضع المصلى، وإن كان لم يبن مسجداً، وكانت هناك مساجد في أطراف المدينة، فكان هناك مسجد بني سلمة الذي تحولت فيه القبلة، وكان هناك مسجد قباء، وكانت هناك مساجد يميناً ويساراً، فأراد بكلمة (هذا) يعني: دون بقية المساجد التي توجد في المدينة، وكلها مساجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: قوله (صلاة في مسجدي هذا) هذه الفضيلة الجمهور على أنها عامة تشمل ما كان موجوداً عند الإشارة إليه، وتشمل كل ما زيد فيه وضم إليه، ويستدل الجمهور على هذا التعميم والاتساع ببعض الأحاديث وإن كان في أسانيدها مقال ومنها: (إنه لمسجدي ولو امتد إلى صنعاء) وقد جاء في الأثر الصحيح الموقوف على عمر رضي الله عنه أنه بعد ما وسع المسجد النبوي من الشمال ومن الغرب، رأى أن بعض الناس ربما تساءل أو توقف أو تردد في إيقاع الصلاة في تلك الزيادة العمرية، ويحرص على أن يدخل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان في حال حياته، فلما لاحظ هذا منهم قال: (والله! إنه لمسجد رسول الله ولو امتد إلى ذي الحليفة) يعني: كل ما تأتي من زيادة فهي من المسجد النبوي، وأكبر زيادة شهدها المسجد النبوي هي في هذه الآونة، ويمكن أنه بعد مائة أو مائتين أو ثلاثمائة سنة أو أكثر أو أقل تحصل زيادة على هذه الزيادة، ولكن مهما بلغت الزيادة فيه فهي لن تبلغ إلى ذي الحليفة، فقول عمر رضي الله عنه: (ولو امتد إلى ذي الحليفة) يعني: إبعاداً للمدى وأنه مهما قدر اتساعه نظرياً فإنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى كل فالمؤلف رحمه الله ساق هذا الحديث هنا ليبين فضيلة الصلاة في المسجد النبوي للقادمين الذين يجمعون بين الحج أو العمرة وبين الزيارة إلى المدينة، وهناك مباحث عديدة في هذا الموضوع منها: