وحينما رجع صلى الله عليه وسلم من مكة في يوم العيد، كانت نوبة صفية رضي الله تعالى عنها، فسأل عنها: أين هي؟ فقالت له عائشة رضي الله تعالى عنها: إنها حائض، فقال: (عقرى حلقى، أحابستنا هي؟) أي: أتحبسنا حتى تطهر وتغتسل وتطوف طواف الزيارة ثم نرحل؟! فقيل له: إنها قد طافت، يعني: طافت قبل أن تأتيها الحيضة، فأمرهم بالرحيل، ومن هنا أخذ العلماء المبحث الأول الذي سقناه سابقاً وهو: أن المرأة إذا أتاها الحيض قبل أن تطوف طواف الزيارة، وهو طواف الإفاضة ماذا تفعل؟ الكلام في هذا المبحث كثير، والخلاف فيه مشهور عن الأئمة الأربعة، فـ الشافعي ومالك يشددان في ذلك ويقولان: تبقى على إحرامها وتبقى على حالتها ولو سافرت إلى بلدها فعليها أن ترجع.
أما أبو حنيفة رحمه الله وهي رواية عن أحمد فيقولان: إنها إن لم تستطع أن تصبر إلى أن تطهر، لعدم وجود محرم ينتظر معها، أو لنفاد نفقتها، أو لفوات رفقتها فإنها تتحفظ وتطوف وعليها بدنة فدية؛ لأنها قد أصبحت في هذه الحالة مضطرة بين أن ترجع إلى بلدها وتبقى على إحرامها، وتبقى كذلك محرّمة على زوجها إلى أن تأتي مرة أخرى، وتكمل حجها وتفك إحرامها، وبين أن تبقى في مكة حتى تطهر وتكون وحيدة منفردة وقد فاتتها الرفقة، وقد يكون عليها من الخطر ما يكون.
وقد ناقش العلماء هذه القضية طويلاً، فالإمام أبو حنيفة رحمه الله كما بينا يجوز لها عند الضرورة القصوى أن تتحفظ وتطوف وعليها بدنة، وجاء الإمام ابن تيمية رحمه الله وبحث المسألة بحثاً ضافياً فيما يقرب من خمسين صفحة وهذا البحث موجود في كتاب مجموع الفتاوى، وبين الأدلة في هذه القضية بياناً لا يوجد نظيره عند غيره، وانتهى إلى القول بأنها معذورة، وأنها لا شيء عليها، لا بدنة ولا غيرها؛ لأنها لم تفرط، وهذا الأمر خارج عن يدها، والمشقة تجلب التيسير، ولا ضرر ولا ضرار إلخ.