وأذن لرعاة الإبل ولأصحاب الأعمال العامة الذين يخدمون الحجاج أن يذهبوا إلى حيث يعملون، فذهب الرعاة بالإبل إلى خارج منى ليرعوا الإبل هناك، ويمكثوا اليوم الثاني من أيام التشريق، على أن يرجعوا في اليوم الثالث من أيام التشريق ليرموا عن اليوم الثاني والثالث، وعلى هذا فعملهم في يوم النحر أنهم رموا جمرة العقبة ثم أفاضوا ثم جاءوا وباتوا في منى، ثم رموا جمار اليوم الأول من أيام التشريق وذهبوا، ومكثوا في مكان عملهم اليوم الثاني ولم يأتوا إلى منى ولم يرموا، وفي اليوم الثالث جاءوا إلى منى فرموا جمرات اليوم الثاني الذي لم يأتوا فيه إلى منى، كما رموا في اليوم الأول: الأولى فالوسطى فالعقبة، ثم رجعوا فرموا لليوم الذي هم فيه وهو اليوم الثالث على الترتيب السابق: الأولى فالوسطى فالعقبة.
وكذلك أذن صلى الله عليه وسلم لأصحاب السقاية أي: الذين يسقون الحجيج في زمزم، وأذن للعباس رضي الله عنه لأنه كان صاحب السقاية أن ينزلوا ويبيتوا في مكة تلك الليلة من أجل مباشرة عمل السقاية، وهي خدمة الحجيج.
وهنا يمكن أن نقول: إن أصحاب المهن المرتبطة بأعمال الحجاج وخدماتهم إذا كان الحال يتطلب خروجهم أو ذهابهم عن منى فإنه لا مانع أن يؤذن لهم كما أذن لرعاة الإبل، وكما أذن لأصحاب السقاية، فمثلاً: توجد المستشفيات في مكة وفي منى وفي غيرها، فإذا كان هناك طبيب محرم بالحج، وملتزم بمناسكه، وجاء وطاف طواف الإفاضة، ثم رجع ليبيت في منى ولكن عمله يتطلب أن يكون في مكة، فله أن ينزل ويبيت ليزاول عمله بعد أن يرمي الجمرات في وقت من النهار؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكلف الرعاة بأن يفدوا عن غيبتهم وعن تأخيرهم الرمي، وكذلك أصحاب السقاية، ويتفق العلماء على أن من ترك الرمي في أول أيام التشريق، وثاني أيام التشريق، ثم جاء في اليوم الثالث من أيام التشريق فرمى عن اليوم الأول: الأولى فالوسطى فالكبرى، ثم رجع فرمى عن اليوم الثاني: الأولى فالوسطى فالكبرى، ثم رجع فرمى عن اليوم الثالث: الأولى فالوسطى فالكبرى، أنه لا شيء عليه، وأن ذلك يجزئه.
وهكذا ينبغي أن يوسع لأصحاب الأعمال؛ لأن الذي يتخلف منهم عن المبيت بمنى لم يتخلف لمصلحة نفسه، ولا لرفاهية يطلبها، وإنما من أجل خدمة الحجيج.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتعجل في يومين، بل تأخر إلى اليوم الثالث.