وهنا ربما تناول بعض العلماء المقارنة بين مكة والمدينة بأن تحريم مكة من إبراهيم، فيكون هناك المقارنة بين ما حرمه إبراهيم عليه السلام وبين ما حرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأدخلوا هذا في باب المفاضلة بين مكة والمدينة، واستدل بذلك من يفضل المدينة على مكة، وهنا ينبه -كما يقول العلماء- إلى أن الخوض في المفاضلة بين مكة والمدينة إنما هو إشغال وقت وإثارة شعور لا طائل تحته، إنما ينظر فيما هو أفضل للمهاجر والمقيم، هل الأفضل له أن يهاجر إلى مكة أم إلى المدينة؟ وهل الأفضل أن يقيم في مكة مجاوراً أم في المدينة مهاجراً؟ هناك قول لبعض العلماء وعلى رأسهم مالك: أن الهجرة والإقامة بالمدينة خير من الهجرة والإقامة بمكة، والبعض يستدل على أن الإقامة بالمدينة أفضل: بأن مكة تتضاعف فيها الحسنات وكذلك السيئات، قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25] فيؤاخذ الإنسان في مكة بمجرد الإرادة ولو لم يفعل، أما المدينة فتضاعف فيها الحسنات ولا تتضاعف فيها السيئات، إن فضل الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بألف صلاة، وهذا لا قول لأحد فيه، وهو صحيح بالإجماع، وجاء أن صوم رمضان في المدينة بألف، وجمعة في المدينة بألف، وهذان الخبران فيهما مقال.
وقد فضل بعض العلماء المقام في المدينة لأن الله اختارها مهاجراً لرسوله ومقاماً له، ثم كان فيها مثواه صلى الله عليه وسلم.