وهنا يبحث العلماء: إذا لم يجد المحرم طعاماً إلا الصيد، فهل يباح له كما أبيحت الميتة لغير المحرم؟ وإذا وجد ميتة ووجد صيداً ووجد غير صيد من بهيمة الأنعام مملوكة للغير، فهل يأكل الصيد؟ أم يأكل الميتة للرخصة؟ أم يأكل من مال الغير؟ كثير من العلماء قالوا: لا يأكل الصيد، وله أن يأكل من الميتة؛ لأن الصيد محرم على كل حال ولم يأت فيه استثناء في حالة الاضطرار كما جاء في الميتة؛ ولأن الميتة جاءت فيها رخصة مستقلة، وقالوا: الصيد حرم على المحرم على الإطلاق في كل زمان ومكان، والميتة محرمة إلا على المضطر، فقالوا: يأكل من الميتة ولا يأكل من الصيد، فضلاً عن أن يقتل الصيد وهو حي، وهذا يدل على التشديد في تحريم لحم الصيد للمحرم.
ثم جاء الحديث الآخر بأن الصعب أتى بحمار وحش أو بلحم حمار، أو حمار وحشي -بأي لفظ كان من هذه الألفاظ- وفي بعض الروايات: يقطر دمه، فقدمه للنبي صلى الله عليه وسلم هدية، فرده عليه صلى الله عليه وسلم، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم تغير وجه الصحابي لأن الرسول رد هديته، ولم يعلم الحكم، فجبراً لخاطره أزال عنه هذا الأثر وقال: (إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم) أي: محرمون، والمحرم لا يأكل الصيد الذي صيد من أجله، ففي حديث أبي قتادة رخص لهم أن يأكلوا ما لم يشارك أحد منهم في صيده، وهنا لم يسأل، ولكن رده ابتداء، وهنا قالوا: هل يمنع المحرم من أكل الصيد مطلقاً، أم لا يمتنع منه إلا إذا شارك فيه؟ في حديث أبي قتادة لم يشارك فيه أحد، فأكلوا منه، وهنا لم يسأل، قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرده عليه إلا لأنه تيقن أو غلب عليه الظن أن هذا لم يأت بحمار الوحش يقطر دمه إلا من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كانت القرائن محتفة بأن هذا الآتي لم يأت بهذا الحمار إلا من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم رده عليه؛ لأن المحرم لا يأكل ما صيد من أجله، وبهذا يجمع بين الحديثين؛ فيقال: في الحديث الأول أباحه لأنه لم يصده من أجلهم، ولا شارك أحد منهم في صيده، وفي الحديث الثاني غلبة الظن أنه صاده من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا رده صلى الله عليه وسلم.
وهنا ينبغي الاستفادة من جانبين: جانب تحريم الصيد على المحرم، وجانب جواز أكل لحم حمار الوحش، والفرق بينه وبين الحمار الأهلي، مع أن كليهما حمار، فالجنس واحد والفصيلة واحدة.