وبقي الكلام على فقه الحديث وما يتعلق بالحمار الوحشي.
كان أبو قتادة رضي الله عنه في عمرة الحديبية غير محرم، قيل: لأنه كان قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهمة فلم يخرج معهم في تلك العمرة، وإنما التقى معهم في الطريق، وقيل: لأنه كان طليعة للمسلمين عند قدومهم على مكة، والحاصل: أنه رضي الله تعالى عنه كان مع أصحابه في المهمة التي بعثه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان بعضهم قد أحرم وبعضهم لم يحرم، فرأى حمار وحش فأراد أن يشد عليه فسقط سوطه، فقال لبعض إخوانه المحرمين: ناولني السوط، فقال: إنا حرم، فانطلق وأتى بحمار الوحش -ومعلوم أنه رجل غير محرم، والصيد جائز لغير المحرم إذا صاده لنفسه أو لغير المحرم- فلما أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: (هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمه) والبعض يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منه، والبعض الآخر يقول: لم يأكل؛ لأنه جاء في بعض الروايات أن أبا قتادة صاده لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يأتي، والمحرم لا يأكل الصيد الذي صاده بنفسه أو صاده غيره من أجله، وينص النووي وغيره في مناسك الحج: لو أن قرية من القرى يمر عليها الحجاج وهم محرمون، وفيها الذبائح واللحم، فقام أرباب الصيد وذهبوا واصطادوا وجاءوا بلحم الصيد للبيع، وعلم المحرم أنهم صادوه من أجله ولو للبيع عليه أو للهدية، فلا يجوز له أن يأكل من ذلك؛ لأنه صيد من أجله، أما إذا صاده ابتداء لنفسه أو لأهله، وحضر محرم هذا اللحم أو هذا الطعام ولم يشارك لا هو ولا جنسه من المحرمين، فله أن يأكل من هذا اللحم.