قال رحمه الله تعالى: [وعنه رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمُدِّ ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد) .
متفق عليه] .
مقدار الماء في الوضوء والغسل موضوعه واحد، فكان من حسن التنسيق أن يكونا معاً في مكان واحد.
ولعله أخره من أجل أنه فيه ذِكْر الغسل، فأخره إلى آخر أعمال الوضوء.
قال: (كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمُدِّ -والمُد: قدر لتر وثلث- ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد) ، والصاع أربعة أمداد، فقوله: (إلى خمسة أمداد) أي: صاع وربع.
فهذا بيان لأقل المقدار، والذي ينبغي على الإنسان -كما يقول العلماء- ألَّا يزيد على ذلك؛ لئلا يدخل في السَّرَف وتضييع المال.
وإذا كان النص جاء -في العبادات لله- بالمحافظة على الماء وعدم الإسراف فيه مع وفرته وكثرته فما بالك بالمال الذي هو عصب الحياة؟! فهو تعويد على الاقتصاد في استعمال الماء؛ ليكون خطوة إلى التعوُّد على الاقتصاد في غير الماء.
وفي هذا المعنى جاءت أحاديث، منها أنه: (اغتسل من فَرَق) و (الفَرَق) : ثلاثة آصُع.
ومنها أنه: (اغتسل هو وميمونة في جفنة فيها أثر العجين) .
فإذا كان يغتسل بالصاع الذي هو أربعة أمداد فهذا يكفيه في الغسل، وهذا يأتي مع الدلك والتحفظ في استعمال الماء.
قوله: (ويتوضأ بالمُد) ، وفي رواية: (أتي بثلثي مد) ، فهل هناك مغايرة؟ والجواب: لا توجد مغايرة، فإذا كان الماء قليلاً دلك حتى يتمكن من إيصال الماء لجميع البشرة، وإذا كان الماء متوافراً مرَّر يده ليتأكد، فالمهم التأكد من إسباغ الوضوء، فإذا كان الماء قليلاً تعيَّن الدلك، وإذا كان الماء كثيراًَ وتأكد بجريان الماء على العضو فالحمد لله، لكن لا ينبغي أن يزيد -إن أمكن- في الوضوء على المُد، ولا في الغسل على الخمسة أمداد، أي: صاع ومد.
والله تعالى أعلم.
فهذا ما يتعلق بالوضوء والغسل في العبادة.
ويُقاس عليه الوضوء والغسل للنظافة، أو المسنون في غسل الجمعة أو للإحرام أو لدخول مكة أو لعرفة، ولكن المهم هنا أنه لو أن إنساناً في الغسل الاعتيادي يريد أن يغير ملابسه، ويريد أن يزيل عنه العرق، ويريد أن ينظف نفسه، فتارةً يستعمل الصابون، وتارةً يستعمل الماء بدون صابون، فهذا لا حد فيه، ما لم يصل إلى الإسراف؛ فالتحديد هنا في رفع الحدثين، الأصغر بمُد، والأكبر بصاع إلى خمسة أمداد.