قال رحمه الله تعالى: [وعن أنس رضي الله عنه قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وفي قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء، فقال: (ارجع فأحسن وضوءك) .
أخرجه أبو داود والنسائي] .
هذا حديث (اللمعة) كما يقال، وهو متعلق بإسباغ الوضوء وترتيبه، فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً توضأ وعلى قدمه أو في عقبه لمعة مثل الظفر -أي: قدر الظفر- وفي بعض الروايات: (قدر الدرهم) ، أو يكون معنى (مثل الظفر) : لمعة كلمعة الظفر؛ لأن الظفر يلمع، والجلد إذا غُسل وبقي جزء منه لم يُغسل صار أبيض يلمع؛ لأن الماء معدود في الألوان السوداء، كما في باب التغليب، وفي الحديث: (الأسودان: التمر، والماء) ، فإذا غسل القدم أو اليد أو الوجه وتعدَّى الماء عن جزء فلم يصبه كان كاللمعة وسط بقية العضو المغسول، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ارجع فأحسن وضوءك) .
وفي بعض الروايات: أعد وضوءك.
وبعضها: أتمم وضوءك.
فمعنى (أحسن) أن الوضوء قبل ذلك كان ليس بحسن.
وروي عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه إذا كان شيئاً يسيراً فلا تأثير في الوضوء؛ لأن الحكم للأغلب.
وعلى رواية: (أتم) أو: (أعد) يكون ذلك نصاً في أن هذا الوضوء بهذه اللمعة غير تام، ولا تصح به الصلاة.
ومن هنا أخذ العلماء وجوب الموالاة بين غسل الأعضاء، لا أن يغسل وجهه، ثم يذهب ليشرب قهوة، ثم يجيء ليغسل يديه، ثم يأخذ كتاباً ويقرأ فيه، ثم يمسح رأسه ويتكئ حتى يستريح، ثم يقوم ويغسل قدميه.
والموالاة مقياسها أن يغسل العضو قبل أن يجف الماء عن العضو الذي قبله، فلو أنه غسل وجهه، ثم أراد أن يغسل يديه، وكان البرد شديداً، فأخذ شيئاً يستر وجهه أو يمسح بيده الماء عن وجهه ولم يجف، فغسل يديه، ثم مسح رأسه، ثم بعد أن مسح رأسه لبس الطاقية أو العمامة، ثم ذهب وغسل قدميه.
يعتبر ذلك موالاة؛ لأنه لم يفرق بين العضو والذي قبله بزمن يجف فيه العضو -كما يقولون- في الجو المعتدل مع الإنسان المعتدل، فهناك بعض الناس عنده حرارة، فحالاً يجف الماء، وأحياناً في الشتاء يكون جفاف الماء عن العضو ليس مثل الصيف، فقالوا: في الجو المعتدل.
وموجب أخذهم بالموالاة هنا أنه عندما غسل تلك الأعضاء، وبقيت لمعة في رجله أو في يده أو في غير ذلك، فإنه لو غسل ذلك الجزء فقط فبقية الأعضاء التي جاءت بعد هذا العضو جاءت على فساد؛ لأن العضو الذي قبلها لم يتم غسله، وكذلك لو أن اللمعة كانت في القدمين وليس بعدها عضو آخر، فإذا طال الزمن، وجف الماء عن الرأس واليدين، وأراد أن يكمل غسل القدمين، أيكون غسل اللمعة موالياً للأعضاء التي قبلها، أم أنه مضى عليه زمن؟ فإن كان مضى عليه زمن فإن الموالاة تكون قد فُقِدت، فيكون قد غسل القدمين، أو أحسن غسل القدمين بعد فصل طويل عن الأعضاء قبلها، فيبدأ الوضوء من جديد لتتحقق له الموالاة.
ولذا قدمنا أنه إذا انتبه للمعة وهو في مكان الوضوء أخذ نقطة ماء -ولو من شعره- ومسح اللمعة وأجزأه ذلك، أما إذا كان قد بعُد عن مكان الوضوء وجفت الأعضاء فإن القدمين ستصبحان مفصولتين عن الأعضاء قبلهما، فلم تكن هناك موالاة، فعليه أن يبدأ الوضوء من جديد لتتم له الموالاة.
والله تعالى أعلم.