قال رحمه الله تعالى: [وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) .
أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة بإسناد ضعيف، وللترمذي عن سعيد بن زيد وأبي سعيد نحوه، قال أحمد: لا يثبت فيه شيء] .
قوله: (لا وضوء) (لا) حرف نفي.
و (الوضوء) : عمل محسوس بيِّن وهو غسل أعضاء معينة، والأعيان لا يتوجه إليها النفي.
فعمل الوضوء حاصل، فهو قد غسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح رأسه، وغسل قدميه، فالوضوء حاصل.
- فكيف نقول: (لا وضوء) وهو متوضئ؟ قالوا: إن النفي يتوجه إلى أحكام الأعيان، أما الأعيان بذواتها فلا تُنفَى.
وعلى هذا قالوا: يجب أن يكون هناك حكم مقدَّر يتوجه عليه النفي وهو: (لا وضوء معتبر) ، أو (لا وضوء صحيح) أو (لا وضوء كامل) .
وأي المعاني يقدر حتى يتوجه عليه النفي؟ بعضهم قال: لا وضوء كامل.
فالوضوء موجود، ولكن ليس بكامل، فإذا كان موجوداً والمنفي الكمال، فتصح به الصلاة.
وبعضهم قال: لا وضوء معتبر.
فيكون هنا المراد نفي الاعتبار، فلا تصح به الصلاة؛ لأنه أصبح كالعدم؛ لأن عدم اعتباره هو عبارة عن عدم وجوده، فلا يُعتد به.
ومن هنا عند اختلافهم في تقدير الوصف الذي يتوجه إليه النفي وقع الخلاف.
فإذا جئنا إلى الحديث فهو ضعيف، وأحمد بن حنبل رحمه الله يقول: لم يثبت في هذا شيء، وكون الوضوء يُعتبر أو لا يُعتبر، والصلاة يُعتد بها بهذا الوضوء أو لا يُعتد بها ليس بأمر هين، بل يحتاج إلى أن يكون الحكم صادراً عن قاعدة ثابتة قوية.
فلما كان الحديث ضعيفاً فلا يمكن أن نبطل الصلاة بعدم ذكر اسم الله على الوضوء إلا بحديث صحيح قوي يقاوم أهمية الوضوء وأهمية الصلاة، وما وجدنا.
ثم قالوا: هناك بعض النصوص، كقوله: (لا وضوء كامل) .
أورده الصنعاني.
وبعضهم قالوا: هناك حديث: (من توضأ كما أمره الله ... ) ، قالوا: لما أمرنا الله بالوضوء قال: ((فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)) ولم يذكر تسمية.
فأجيب عليهم: الأمر جاء مجملاً، ولكن الرسول بيَّن! فقالوا: أثبتوا البيان ثم احتجوا به، فالذي قلتم: إنه بيان هو ضعيف، ولا ينبغي أن نعول في أركان الإسلام والأعمال على شيء ضعيف.
ومن هنا لم يقل بوجوب التسمية على الوضوء إلا الظاهرية.
وبعض شُرَّاح الحديث ينسب لـ أحمد أنه قال: إذا ترك التسمية عامداً بطل وضوؤه، وإن تركها ناسياً صح وضوءه ولا يعيد الصلاة.
وهذا القول يذكره ابن قدامة في المغني.
فالرواية عن أحمد ليست على العموم كالظاهرية، وإنما يفرق بين المتعمِّد والناسي.
والجميع -ما عدا الظاهرية وهذا التفصيل عند أحمد - على صحة الوضوء ولو لم يذكر اسم الله عليه.
وأهم ما في الموضوع هنا -كما قال أحمد -: أنه لم يثبت فيه شيء، فلا نحكم على أحد ترك التسمية ببطلان وضوئه، ولا ينبغي لأحد أيضاً أن يترك التسمية على الوضوء ولو كان الحديث ضعيفاً؛ لأن غاية ما فيه أنه ذكرٌ لله على هذا العمل، ويعتضد بصفةٍ عامة بحديث: (كل أمر ذي بال لم يُبدأ باسم الله أو الحمد لله فهو أبتر) ، فلا نجعل وضوءنا أبتر وأقطع، بل نذكر اسم الله عليه، ويتم لنا الأمر، والحمد لله.