قال المؤلف رحمه الله: [وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له) متفق عليه، ولـ مسلم: (فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين) ] .
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيتموه) ما هو الذي رأيناه؟ الهلال، وأصل حديث ابن عمر طويل، واقتصر المؤلف منه على موضع الحاجة، وفيه أنهم تراءوا الهلال -تطلبوا رؤية الهلال- قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: تراءى الناس الهلال فرأيته، وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر الناس بالصيام، فالنبي صلى الله عليه وسلم علمهم: (إذا رأيتموه) ، أي: الهلال، وهو معلوم من السياق بالضرورة، مثل قوله تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:83] أي: الروح، فهنا يبين لنا صلى الله عليه وسلم بما يثبت عندنا دخول رمضان، فقال: (إذا رأيتموه) ، ولم يقل: إذا رأيته.
فالخطاب هنا للجمع، فهل يتعين على كل واحد أن يراه ليصوم؟ بعض الناس ضعيف النظر، سيصوم على رؤية غيره، إذاً: (إذا رأيتموه -أي: في مجموعكم، بمعنى: لو رآه واحد منكم فكأنكم جميعاً رأيتموه- فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا) ، وفي بعض روايات حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب رضي الله تعالى عنه زيادة: (فانسكوا) ، من النسك وهو العبادة، ويشمل ذلك الحج، أي: إذا رأيتم هلال ذي الحج، فإنكم تعرفون يوم الوقفة، وتعلمون دخول الحج برؤية الهلال في أول ذي الحجة، والنسك: مطلق العبادة.
فلو لم نره، كانت السماء مغيمة، ويوجد رعد وبرق ومطر، والسماء لا ترى، فماذا نفعل؟ وهذا أمر واقع، فهل انتظر أن يسألوه؟ هل قالوا: وإذا لم نره لغيم أم أنه صلى الله عليه وسلم ابتدأهم بذلك؟ هو ابتدأهم؛ لأنه يعلم أن هذه أمور واقعية، فماذا يكون الحكم؟ أتاهم بالحل والجواب مقدماً: (فإن غم) ، يقال: الغمام لأنه يغم الجو، (فإن غم) أي: ستر وغطى، إما بغمام وهو السحاب، وإما بقتر، وهو: الغبار التي تثيره الرياح أو الأحداث، فيكون في الأفق طبقة رمادية لا تبصر معها، ولهذا أحياناً حينما تتلقى ماء المطر في إناء نقي تجده معكراً، من أين أتاه هذا التعكير وهو الآن نازل من السماء؟ الرياح أثارت التراب فعلق في الهواء لخفته ونعومته، فإذا ما نزل الماء أنزله معه؛ ولذا ترى السماء بعد المطر نظيفة نقية، كأنك أخذت مرآة ومسحتها، لماذا؟ لأن قتر الغبار كان يحول دونها، فلما نزل المطر أنقاها.