قال المصنف رحمه الله: [وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس) .
وفي رواية: (وإنها لا تحل لمحمدٍ ولا لآل محمد) رواه مسلم] .
هذا البحث يأتي به المصنف رحمه الله تتمةً لمن لا تحل لهم الصدقة، وقد عرفنا فيما تقدم أن الصدقة لا تحل لغنيٍ ولا قويٍ متكسب، وتحل لثلاثة نفر وهم الذين ذكرهم في حديث قبيصة.
فجاء المصنف بهذا الحديث وفيه: (أن الصدقة لا تحل لمحمدٍ ولا لآل محمد صلوات الله وسلامه عليه) ، والأخبار في هذا كثيرة، وقد تقدم حديث: (من أداها طيبةً بها نفسه فبها ونعمت، ومن منعها أخذناها وشطر ماله، عزمةً من عزمات ربنا، لا يحل لمحمدٍ ولا لآل محمدٍ منها شيء) .
وقد سبق التنويه في أول كتاب الزكاة إلى أن الله سبحانه وتعالى كلف رسوله بجمعها وتقسيمها، مع أنه لا يحل له منها شيء، وقلنا: إن في عفة الرسول صلى الله عليه وسلم عن أموال الناس -وآل بيته تبعاً له- سداً ومنعاً لتلك السهام الآتية ممن في قلوبهم المرض، فلو قام وجمعها وأخذها وشطر المال إذا امتنع صاحبها من أدائها، وكان له من الزكاة ما شاء، كالربع أو الخمس، لقال القائلون من مرضى القلوب: ما قام ولا تعب ولا تكلف جمعها إلا لأن له حظاً فيها، ولكن حينما يُمنع منها بالكلية وتحرم عليه صلى الله عليه وسلم، فإذا قام صلى الله عليه وسلم واجتهد فيها وجمعها فلا يمكن لأي نفسٍ مريضة القلب أن تتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخذها وجمعها بأي تهمةٍ أو شبهة؛ لأنها محرمة عليه.
إذاً: فلماذا يفعل هذا؟ الجواب: يفعله طاعةً لله، وحفظاً للمسكين من أن يريق ماء وجهه عند الناس.
ومما جاء أنه فعله صلى الله عليه وسلم تحرزاً وتحفظاً في هذا الباب: (أنه كان يمشي ومعه الحسن رضي الله عنه -وهو طفل صغير- فرأى تمرةً في الأرض فالتقطها ووضعها في فيه، فنهاه وقال له: كخ كخ وأدخل إصبعه في فيه وأخرجها منه، ثم قال: لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لتركتها له يأكلها) .
فهنا قال: (أخشى أن تكون) ، فما بالك بالتي هي من الصدقة يقيناً! فهي محرمة عليه من باب أولى.