حديث حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه يرتبط مع الحديث الذي بعده بعين الموضوع، وللعلماء فيه كلام، يقول رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى) .
يقولون: اليد العليا عليا في الهيئة وفي الواقع؛ لأن السائل يقول: أعطني، والثاني يقول: خذ، فاليد العليا هي المعطية، والسفلى هي الآخذة، وهذا يطابق الواقع عملياً، ومن ناحية المعنى: لا شك أن اليد ذات الغنى أعلى من اليد ذات الفاقة، فذات الفاقة متدنية، وذات الغنى مستعلية.
وبعضهم يقول: اليد العليا هي المستعلية على الأغنياء بعفتها، فهو فقير، لكنه متعفف، فصارت يده عليا مستعلية على من يعطيها بعفتها، كما قال الله: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة:273] ، ولكن المعنى العام على ظاهر الحديث هو الأول، وهو الواقع الحسي المتداول المعروف، وهل هذا فيه مذمة لليد السفلى أو تفسير واقع وحثٌ للفقراء والمساكين بأن يستعفوا، ويرفعوا أيديهم عن منزلة السفلى؟ هذا حثٌ للفقير وحثٌ للمسكين بأن يستعف، وأن يعمل حتى يرفع يده عن منزلة السفلى، وقد جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم تفسير ذلك عملياً حينما جاءه شابٌ قويٌ جلدٌ يسأل الصدقة، فنظر إليه صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: (إن الصدقة لا تحل لقويٍ ذي مرة، قال: ماذا عندك؟ قال: حلسٌ نفترش نصفه، ونلتحف بنصفه، وقعبٌ نأكل ونشرب فيه) .
هذا هو أساس بيته، فليس له غرفة نوم، ولا غرفة ضيوف، ولا صالة، أثاثه كله محصور في بطانية أو حنبل يفرش نصفه ويتغطى بنصف، والقعب، هذا هو أدوات المطبخ.
فقال: (علي بهما) ، فأخذهما صلى الله عليه وآله وسلم وقال: من يشتري مني هذا؟ فقال رجل: بدرهم -ولعلها لا تبلغ قيمة الدرهم- فقال: من يزيد؟ -حتى لا يكون هناك مماكسة في حقه- فقال رجل: بدرهمين -وأعتقد أن الذي يزيد (100%) إنما هو مجاملة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: خذ، ويعطي الشاب الدرهمين، ويقول: اشترِ بدرهمٍ طعاماً وضعه عند أهلك، واشترِ بدرهمٍ فأساً وحبلاً.
فإذا كان فأس بدرهم فمعناه أن الدرهم كانت له قيمة؛ لأن القيمة الشرائية للنقد حينما يكون النقد عزيزاً، أما إذا كان النقد هابطاً فلا قيمة له، فبعض الجهات عملتها لا تساوي شيئاً، ونحن شاهدنا ارتفاع وانخفاض العملات في الأسواق.
المهم أنه ذهب واشترى الفأس والحبل، وجاء فأخذ الفأس، ووضع عوداً فيه، وقال: اذهب فاحتطب، وبع واستغنِ، ولا أرينك خمسة عشر يوماً، فيذهب، ثم يأتي، ويقف على رسول الله والدراهم في جيبه، فيتبسم صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: (لأن يأخذ أحدكم حبلاً وفأساً، فيذهب فيحتطب فيبيع فيستغني، خير له من أن يتكفف الناس أعطوه أو منعوه) .
وقوله عليه الصلاة والسلام: (ومن يستغنِ يغنه الله، ومن يتعفف يعفه الله) ، أي: من يستغنِ بالله يغنه، ومن يستعفف في جانب الله يعفه، ويرزقه القناعة والصبر، وهكذا.