الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وعن عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيباً) رواه الخمسة وفيه انقطاع] .
هذا الأثر وإن كان فيه انقطاع إلا أنه عليه العمل، فيخرص العنب وتؤدى زكاته زبيباً، كما يخرص الرطب وتؤدى زكاته تمراً، لكن يهمنا في هذا الأثر أن العنب يخرص كما يخرص النخل.
فمن كان يعارض في خرص العنب يقول: لا يتأتى انضباط خرص العنب كانضباط خرص النخل، يقول: لأن النخلة مكشوفة أمام الخارص وأمام الجميع، أما العنب فقد يكون مختفياً بين الأوراق وقد يخفى على النظر، فلا يتمكن الخارص من رؤيته كما يتمكن في النخلة.
ولكن كما جاء في هذا الأثر، وإن كان منقطعاً فقد يكفينا رأي من رواه، فالذين رووه على انقطاعه يقولون به؛ فيكفينا هذا فقهاً، وأنها الطريقة التي يمكن أن يساوى فيها العنب بالرطب.
فهذا النص في العنب: أنه يخرص كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيباً، ولماذا لا تؤخذ عنباً؟ لأنه لا يدخر، فلو أعطينا للفقير خمسة صناديق عنباً، هل سيأكلها كلها؟ فلو أكثر من أكلها فإنه سيؤذيه، وهل إذا أكل صندوق عنب يغنيه عن لقمة عيش؟ فربما لا يغنيه، فالعنب ليس قوتاً ولا يدخر.
وهذه الفكرة هي التي عارضنا بها اقتراح بعض الأعضاء في مؤتمر ماليزيا بتنفيذ مذهب أبي حنيفة رحمه الله في الخضروات، ولنسأل: ماذا سيصنع المسكين إذا أخذ قليلاً من الطماطم، أو قليلاً من الباميا، أو قليلاً من الفلفل، أو قليلاً من النعناع إلخ؟ فإذا قلنا: يضعها في الثلاجة، فالفقير ليس عنده ثلاجة، ولو وضعها في الثلاجة فإلى متى؟ فسيأخذ منها كل يوم، فهل ستكون قوتاً أم فاكهة؟ طبعاً ستكون فاكهة، والخضروات مهما كان فلها أجل، سواءً كانت داخل الثلاجة أو خارجها.
إذاً: لا ينتفع بها بقدر ما يمكن أن يبيعها صاحبها، ويجمع القيمة ويأتي بصدقة القيمة للمسكين فيتصرف فيها بما ينفعه.
وقد أوقف القرار بعد ذلك.
إذاً: انتهينا من موضوع زكاة ما تخرج الأرض، وكيفية زكاتها وهو الخرص.
ونحن قلنا بالزكاة في الشعير والبر، فهل يخرص وهو في سنبله عندما يشتد الحب، أو يترك لصاحبه حتى يحصد ويصفى ويكال؟ هناك من يقول بخرص الحب أيضاً، ولكن لماذا نخرصه؟ هل الريح تطيح به في الأرض؟ ليس هناك شيء يضيع منه أبداً.
وهل يبيعه قبل أن يحصده؟ لا.
بخلاف العنب والرطب.
إذاً: الخرص محصور على النخل والعنب، والحب الذي هو متفق عليه من الشعير والبر وما ألحقناه به لا دخل للخرص فيه، وإنما يترك لصاحبه حتى يحصده ويصفيه ويكيله، فهناك يجب عليه أن يزكي ما حصل عنده إن وصل خمسة أوسق فما فوق.
والله أعلم.