ثم بعد هذا إذا حصل على ثمن للخضروات أو على ثمن للفواكه، فإن النص جاء عن السلف بأن قيمة الخضروات والفواكه تزكى، كما تقدم معنا عن عثمان وعمر رضي الله تعالى عنهما لما كتب إليهما عمالهما في الطائف، وذكروا لهما الفواكه والخضروات، وأنها أكثر من النخيل في المدينة، فقال عثمان رضي الله عنه وأرضاه: (لقد كانت المقاشي بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد الشيخين -يعني: أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما- ولم يكونوا يأخذون منهم الصدقة فلا صدقة فيها، ولكن انظر ما باعوا منها فخذ الزكاة في أثمانها إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول) .
من العجيب أن القرطبي رحمه الله يقول: قال فلان في تفسيره: إن القائلين بالزكاة في الفواكه والخضروات هم أهل الكوفة، ومعلوم أن الكوفة ما أنشئت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أنشئت في خلافة عمر، فليس من المعقول أن يوجد تشريع في الكوفة لهذه الأصناف لم يكن موجوداً بالمدينة في عهد رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وليس بمعقول أن تكون معطلة من الزكاة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ثم توجد عند أهل الكوفة؛ من أين جاءوا بها؟ وهذا كلام في الواقع له ثقله ووزنه.
إذاً: لم يكن في عهد رسول الله ولا في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر أخذ الصدقة من الفاكهة والخضروات، وعلى هذا اتفق العلماء حتى كان شبه إجماع ما عدا الخلاف المذكور عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
ونحن نعلم جميعاً بأنه لا يأتي إمام بقول يخالف فيه الأئمة من هواه، أو من رأسه، وإنما يكون الخلاف بينهم في فهم لنصين تعارضا عندهم، والنصان المتعارضان ما قدمناه (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) ، والحديث الآخر: (فيما سقت السماء العشر) ، و (ما) موصولة أي: في الذي سقته السماء.