قال المؤلف: [وعن علي رضي الله تعالى عنه قال: (ليس في البقر العوامل صدقة) رواه أبو داود والدارقطني، والراجح وقفه أيضاً] .
تقدم الكلام على أنصباء البقر وأنه في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة، وهذا مطلق في عموم البقر، فجاء المؤلف بأثر علي رضي الله تعالى عنه ليقيد ذاك العموم وهو قوله: (ليس في البقر العوامل صدقة) ، أي: في كل أربعين تبيع إذا لم تكن عوامل.
والبقر العوامل جاء الأثر أنها التي تثير الأرض، أي: تستخدم في الحرث للزراعة، وقد تستخدم في جر العربات أو في السواني -أي: في نضح الماء- إلى غير ذلك، وذلك أن عمل البقر فيما يتعلق بالزراعة سيترتب عليه ثمرة، وهي إما ثمرة الشجر كنخل وعنب وزيتون، وإما حب ذرة وشعير وغيره على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله.
وإذا كان ما تعمله البقر ستؤخذ زكاته يوم حصاده فلا يتأتى أن تؤخذ زكاة الحبوب أو الثمار الناشئ عن عمل البقر، ثم تؤخذ الزكاة من البقر الذي نشأ عن عمله تلك الثمار أو الزروع، وهو ما يسمى يعبر عنه بعض المعاصرين بقولهم: (لا ثنية في الزكاة) يعني: لا تؤخذ الزكاة من مال مرتين.
وكونه يقول: (موقوف على علي) .
تقدم التنبيه على مثل ذلك الموقوف أنه تشريع، والتشريع لا يكون بالاجتهاد ولا بالرأي، فله حكم الرفع، وعليه يكون علياً رضي الله تعالى عنه قد سمع ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر ما سمعه دون أن يسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم هذا في عدة أحاديث في باب الزكاة.
ونذكر الإخوة بأن علياً رضي الله تعالى عنه كانت عنده صحيفة، فلما سئل: (هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم آل البيت بشيء من العلم دون الناس؟ -هل أعطاكم علماً لم يعطه لأحد غيركم؟ قال: لا؛ إلا فهم أوتيه رجل في كتاب الله، وما في هذه الصحيفة.
قالوا: وما فيها؟ قال: أنصباء الزكاة، والعقل، وفكاك الأسير) .
إذاً: علي رضي الله تعالى عنه كانت عنده صحيفة كما كتب أبو بكر رضي الله تعالى عنه لـ أنس الكتاب الذي بيَّن فيه أنصباء الزكاة، وما كانت كتابة أبي بكر عن رأيه هو، ولكنه عن سماع سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن إيجاب الزكاة فريضة، وإسقاطها يكون إسقاطاً للحق.
فكون علي رضي الله تعالى عنه يقول: (ليس في البقر العوامل زكاة) فيه إسقاط حق الفقراء في هذه الأبقار، وعلي لا يملك أن يسقط حقاً أوجبه الله في قوله سبحانه: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19] إذاً: علي لن يقول مثل ذلك إلا إذا كان عن سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث وإن كان في البقر فإنه يرد قول المالكية بأن في الإبل العوامل زكاة، ووجهة نظر مالك رحمه الله أن الإبل من حيث هي مال ينمو بالتناسل، فإذا ملك منه النصاب فعليه الزكاة، وما كان منها من العمل فـ مالك يقول: هذا العمل من هذه الإبل زيادة منفعة لصاحبها، فالتي لا تعمل ولا يستفيد منها إلا زيادة النماء والنسل فيها زكاة، فمن باب أولى إذا كان فيها النماء والنسل ومع ذلك تعمل، فعملها زيادة فائدة، ففيها الزكاة.
ولكن الجمهور -كما أشرنا- لم يأخذوا من الإبل ولا من البقر العوامل زكاة؛ لأن عملها سيترتب عليه فائدة فتؤخذ الزكاة من تلك الفائدة، فلا نعود عليها بأن نأخذ زكاتها مرة أخرى، اللهم إلا أن تكون عروض تجارة، كأن يتاجر في الإبل ويشغلها، ويتاجر في البقر ويُعملها، فخرجت عن زكاة بهيمة الأنعام بأنصبائها: ثلاثين وأربعين وغيرها، وخرجت عما يخرج فيها من تبيع ومسنة، وعن بنت مخاض وبنت لبون، ودخلت في عروض التجارة، فتقدر قيمتها، ويخرج من مجموع القيمة قدر (2.
5%) ، وليس فيها وقص كما في أصل بهيمة الأنعام، بل تعامل معاملة عروض التجارة.