هناك نقطة بسيطة نحب أن نلفت النظر إليها، وهي: أن بعض المستشرقين والمستغربين، والمستشرقون هم الذين يتناولون الإسلام والعلوم الشرقية، فهم غربيون مسيحيون، لكن يدرسون العلوم الشرقية وخاصة علوم الإسلام، والمستغربون في نظري: هم أهل الشرق الذين يتطلعون إلى علوم الغرب، ويتأثرون بها.
هؤلاء يثيرون الفتن والشبه، خاصة عند الشباب الذين لم يتمكنوا من دراسة الفقه الإسلامي، ومعرفة ما وراء التشريع من الحكم، فيقولون: علام تأخذون الجزية من الناس؟ لماذا تقيدونهم في حريتهم؟ ألم يقل سبحانه وتعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256] وأنتم تريدون إما أن تكرهوهم على الإسلام وإما أن تأخذوا منهم الجزية؟ فيقال لهؤلاء: رويدكم! إن أخذ الجزية من هؤلاء، وإبقاءهم على قيد الحياة، واحترام دمائهم وأموالهم وأعراضهم لهي منحة من الإسلام إليهم؛ لأن الأصل: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ... ) {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:39] فإذا ما تسامح المسلمون لبعض أهل الأديان، وتركوهم وشأنهم في دينهم بحريتهم، وأخذوا عوضاً عن ذلك ديناراً على الشخص فذلك رفق بهم.
وانظر في المعادلة: بين دينار على الحالم، وبين اثنين ونصف في المائة على المسلم في ماله، هذا الذي يدفع الدينار لو كان يملك الملايين فلا يؤخذ منه إلا الدينار، وبهذا الدينار يكون محفوظ الكرامة في دمه وماله وعرضه، وتحت حماية الأمة الإسلامية؛ لأن الأمة الإسلامية لها السيطرة والسلطان، وأهل الذمة في حمايتها فلو اعتدى عليهم من خارج الأمة لكان المسئول عن حمايتهم هم جماعة المسلمين، فيقاتلون دونهم، ويقدمون أنفسهم من أجل حمايتهم.
بينما المسلم لا ينظر إلى شخصه، وإنما ينظر إلى ما يملك، فكلما كثر ماله كثر ما يؤخذ منه، فإذا كان إنساناً ذمياً عنده مليون ريال، ومسلم عنده نصف مليون ريال، نأتي إلى الذمي فلا نأخذ منه إلا ديناراً، ونأتي إلى المسلم فنأخذ منه ربع العشر، فكم يكون مقدار ما نأخذ من المسلم وهو مسلم؟ وكم يكون مقدار ما نأخذ من الذمي وهو على دينه ذمي؟ والذي يكون كاسباً في هذه الحالة هو الذمي لا المسلم.
إذاً: لا غضاضة على الذمي أن يعيش تحت الحكم الإسلامي وأن يدفع الجزية، وهي أقل بكثير جداً عما يؤخذ من المسلم، في الوقت الذي تقوم الأمة الإسلامية على حمايته وحماية ممتلكاته.
ومن العجب -أيضاً يا إخوان- أن الإسلام يرحم الضعفاء من هذا الصنف، كما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه مر به رجل عجوز يتكفف الناس، قال له: ما الذي حملك على السؤال؟ قال: أسأل لأجمع الجزية.
فقال عمر: ما أنصفناك إن أكلناك شاباً -يعني: لما كنت شباباً كنت تدفع الجزية ونأخذها- وضيعناك هرماً، ثم فرض له من بيت مال المسلمين ما يكفيه، ورفع عنه الجزية، فهل يجد هذا في دينه أو في ملته؟ هل يجد هذا العطف وهذا الحنان وهذه المساعدة عند قومه؟ والله لا يجدها.
إذاً: كل من تكلم في هذا الموضوع أو أصغى إليه فإنه ما فقه حقيقة الفقه في الإسلام.