قال المصنف: [وعن أنس (أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله عز وجل يغيثنا.
فرفع يديه، ثم قال: اللهم أغثنا.
اللهم أغثنا) وذكر الحديث، وفيه الدعاء بإمساكها، متفق عليه] .
الحديث الأول فيه أنه وضع له منبر وخرج، فتلك صورة من صور الاستسقاء.
والحديث الثاني حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قائماً يخطب يوم الجمعة، فليست خطبة استسقاء، فدخل رجل -يعني: بعد الشروع في خطبته- فالخطبة ليست لمجيء الرجل، وإنما الخطبة للجمعة، فقد يقع الاستسقاء مستقلاً بخروج الإمام وخروج الناس معه، وقد يقع ضمن خطبة الجمعة في المسجد.
فهذا رجل دخل -ويقال: من باب مقابل المنبر- (فقال الرجل: يا رسول الله! هلكت الأموال ... ) أي: من القحط، فما بقي شجر، ولا بقيت دواب، ولا أنعام، وما بقي مرعى، فإذا لم يبق مرعى هلكت الأنعام.
قال: (وانقطعت السبل) .
السبل: جمع سبيل، وهي الطريق، والطريق ممدود في الأرض فكيف تنقطع؟ والجواب: أن المراد أنقطع استعمالها، إما لأن الإبل وهي سفينة الصحراء -كما يقال- لم يبق عندها ما تأكل، فلا تستطيع أن تذهب أو أن تسافر، كما لو انعدم الآن البنزين، فالسيارات ستبقى في محلها، كذلك هنا، فإذا المرعى للإبل انقطع لن تقوى الإبل على السير، أو أن السبل كانت تستعمل لنقل المنتجات وغلات الزرع، ولم يبق هناك زرع ولا ثمار، فلا يبقى هناك أسفار؛ لأن موجب الأسفار تعطل.
قوله: (فادع الله عز وجل يغيثنُا) روي: (يغيثنا) بالرفع، و (يغيثَنا) بالنصب، فعلى رواية الرفع يكون التقدير: (فادع الله إن دعوته) .
وعلى رواية النصب يكون التقدير:: (ادع الله عز وجل أن يغيثَنا) فكلا الروايتين وارد وموجود، وله توجيه في الإعراب، والغرض من ذلك: ادع الله لنا بالغيث.
قال أنس:) فرفع يديه ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا ... ) هذا الحديث -حديث أنس - فيه زيادات: فقد ذكر فيه قضية السحابة ومجيئها، حيث قال: فأمطرت، فوالله ما رأينا الشمس سبتاً.
أي: أسبوعاً.
وفي بعض الأقطار يسمون الأسبوع جمعة، فالجمعة الأولى والجمعة الثانية، والشهر عندهم أربع جمع، أي: أربعة أسابيع، ويرمزون إلى الأسبوع بجزء منه وهو يوم الجمعة.
يقول بعض العلماء: هذا الصحابي قال: (ما رأينا الشمس سبتاً) أي: أسبوعاً كاملاً من صلاة الجمعة إلى يوم السبت الآتي بعدها.
يقول بعض العلماء: إن كلمة (سبت) أخذها الأنصار من اليهود؛ لأن اليهود يعتبرون يوم أسبوعهم هو يوم السبت، والنصارى يعتبرون أسبوعهم يوم الأحد، والمسلمون يعتبرون أسبوعهم يوم الجمعة، فكان مستعملاً قبل ذلك وعرفاً سارياً، فاستعمل الكلمة على ما هي جارية على ألسنتهم.
والغرض من ذلك أنهم أمطروا، وما رأوا الشمس سبتاً، أي: استمر المطر من حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مر عليهم السبت الآتي بعد يومهم ذلك.
وجاءت روايات: (فأمطرت كالجبال) ، وجاءت روايات: (وكان هم الرجل أن يصل إلى مكنة) يعني: ما يكنه من المطر من شدة ما نزل من الماء.