قوله: (لولا أن أشق على أمتي) يقولون: (الأمة) تطلق على عدة معان، منها الجماعة، ومنها الراية، ومنها الشخص القدوة، كما قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120] ، وتطلق على الراية لأنها الأم والكل يتبعها، وتطلق على المدة من الزمن لأنها مجموعة، وتطلق على الجماعات التي يجمعها وصف عام أو ترتبط بمبدأ، فيقال مثلاً: أمة العلماء، أمة الصناع، أمة التجار، وهكذا في المخلوقات الأخرى، فذوات الجناح أمة، وذوات الأربع أمة، والأمة الإسلامية هي أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي اصطلاح العلماء الأمة قسمان: أمة دعوة تشملها الرسالة المحمدية، فمن آمن ومن لم يؤمن مدعو بها.
وأمة الإجابة التي استجابت لله وللرسول، فقوله هنا: (لولا أن أشق على أمتي) هل يشمل الأمة بكاملها -أي: أمة الدعوة- أم أنه قاصر على أمة الإجابة؟ الجمهور على أنها أمة الإجابة؛ لأنها محل الأمر والنهي.
وأما أمة الدعوة فقالوا: هي داخلة في الأوامر والنواهي، ولكن لا يقبل منها شيء حتى تدخل في أمة الإجابة، كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] ، وقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] ، فقوله: (أمتي) يحمل على أمة الإجابة، وهي محل الشفقة ورفع المشقة.
قوله: (لأمرتهم) ، الأمر -كما يقولون-: هو ما صدر من أعلى إلى أدنى، وإذا كان من أدنى إلى أعلى فهو دعاء، كقول المؤمنين: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا} [البقرة:286] ؛ فإن (واعف) صفة أمر، لكنه موجه من الأدنى إلى الأعلى، فهو دعاء وطلب العفو من الله سبحانه وتعالى.
وإذا كان من المساوي فهو التماس.