مباحث السواك طويلة، فقوله: (مع كل وضوء) وإخبار عائشة رضي الله عنها بأن أول ما كان يبدأ به عند دخوله البيت السواك يدلان على عدم ترديد السواك بوقت، فإذا قلنا: أن الوضوء كان لكل صلاة فيتكرر خمس مرات، وأما دخوله صلى الله عليه وسلم البيت فليس هناك تحديد لوقته.
ومن هنا أخذ الجمهور أن السواك مندوب للصائم، وأن الصوم لا يمنع السواك؛ لأنه عند كل وضوء، والوضوء قطعاً كان خمس مرات؛ لأنه ما جمعت الصلوات بوضوء واحد إلا عام الفتح، وعام الفتح سنة ثمان، ولم يخالف في هذا إلا الشافعي رحمه الله، وذلك لوجه نظر إليه الشافعي من جانب، والجمهور نظروا إليه من جوانب أخرى: أما الجانب الذي نظر إليه الشافعي رحمه الله فهو ما يأتي في كتاب الصيام في فضائل الصوم، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك) ، فيقول الشافعي رحمه الله: الخلوف هو ما يصعد من المعدة من الأبخرة، ولخلوها تكون هناك رائحة هي الخلوف، وهذه الرائحة تستقذر عند الناس جميعاً، فهذا الخلوف المستقذر عند الناس هو عند الله أطيب من ريح المسك، فيقول الشافعي رحمه الله: ما دام الأمر كذلك اتركه.
والجمهور يقولون: ما دامت مهمة السواك مطهرة للفم من هذا الخلوف وأمثاله فإنه يستعمل؛ لأنه يتغير فمه إذا قام من النوم، وإذا طال صمته عن الكلام، وإذا أكل شيئاً له رائحة، ثم إنه مرضاة للرب.
ويدل على ذلك عموم الأحاديث في السواك، كقوله: (عند كل وضوء) ، و (مع كل صلاة) ، واستياكه صلى الله عليه وسلم إذا دخل البيت، وجاء في مجمع الزوائد أن عثمان رضي الله تعالى عنه -أو غيره- لما سئل عن السواك بعد الزوال قال: (لم يأمرنا الله أن ننتن أفواهنا) .
وجاء في الأثر: (الفم طريق القرآن -أو مجرى القرآن- فطيبوا مجاريه) ، وجاء: (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) ، وأن الإنسان إذا قرأ القرآن جاء الملك ووضع فاه عند فيه يتلقى القرآن، فيتأذى إذا وجد خلوفاً أو رائحة غير طيبة.
وقال الجمهور: استعمال السواك عند الوضوء لا يقطع الخلوف؛ لأن الخلوف ليس من بقايا الطعام بين الأسنان، فهذا يذهب في أول مرة، ولكنه الأبخرة المتصاعدة من المعدة إلى الفم، ففي كل لحظة يتنفس فيها يأتي الخلوف، فإذا استعمل السواك لصلاة الظهر فبعد لحظات يجيء الخلوف، وإذا استعمل السواك لصلاة العصر فبعد لحظات يجيء الخلوف، ويبقى ريح المسك، ويجمع بين الحسنيين.
وبالله التوفيق.